المتابع لشبكة التواصل الاجتماعي.. أو افتراضاً شبكة الهلاك الاجتماعي.. خاصة صفحات التويتر الذي أصبح ميداناً للحرية المطلقة، لمختلف المغردين، بعضهم منفردين ويغردون لصالح أنفسهم، والبعض الآخر يغرد ضمن فريق منسق متكامل الخطوط، أعضاؤه يسدد الاتهامات بمهارة فائقة، ويكيلون القذف ويستوفون، وعند الحاجة إلى حكم شرعي قاتل تتحد اللكمات لتشكِّل ضربة الموت .............
القاضية، وهناك فريق آخر أخذ على عاتقه أعمال المونتاج السينمائي، يخرج وينتج مشاهد اليوتيوب، لاستخدامه قرائن دامغة، لإدانة المتهم أو المتهمة بالجرم الافتراضي؛ فتجد الأحكام الصادرة مدعومة بالتعليق والصورة، ولا فرصة أخرى للاستئناف، نظراً إلى أن أعضاء الفريق يعمل بالتناوب لسرعة نشر وإعادة نشر الأحكام الافتراضية الصادرة بحق المتهمين إلى حسابات المتابعين.
شبكات التواصل الاجتماعي المختلفة بيئة افتراضية، وليس واقعاً ملموساً أن يكون ملايين المشتركين في شبكة التواصل تربطهم علاقة اجتماعية، والانفعالات الجياشة من جراء استعمال شبكة التواصل مصطنعة، ولا تعبِّر عن حقيقة مشاعر صاحبها، وصفحات التويتر يمكن أن ترسم صورة مقطعية لمخ المجتمع، والمتابع يلاحظ أن هناك فريقاً من الناس متخصصاً في تكبير وتفخيم المفضلات من التغريد؛ لتكون مبرراً كافياً لإطلاق التهم وأحكام شرعية شوهدت مؤخراً على صفحات التويتر، أهمها (المرتد، الساقطة، الخائنة، السافلة، الزنديقة، الكافر، المنافق..). ويغفل المغردون أن إصدار الأحكام الشرعية هو فقط من صلاحية المحاكم الشرعية على أرض الواقع، ومشاركة أصحاب الفضيلة مع سرب المغردين على صفحات التويتر سببٌ رئيسٌ لانفلات حرية التعبير من الضوابط الشرعية؛ ما جعل بعض المغردين يتمادى في التعبير إلى درجة التجرؤ على من يضعونه في قفص الاتهام من الرجال والنساء بأحكام شرعيه، تصل أحياناً إلى القتل.
القيمة المضافة
بعض أصحاب الفضيلة المخضرمين علمياً ومهنياً يدرك المسافة التقنية التي رحلها خلال عمره المديد، ابتداء من طفولته إلى عصر التويتر؛ فهو يجد متعة يصاحبها نشوة عارمة وهو يعيد صياغة تجاربه المهنية والعلمية بلغة الجيل الناشئ؛ ما جعله - وهو الشيخ الوسطي الجليل - يغرد عفوياً مع فريق من الغلاة المغردين على صفحات التويتر، بعضهم يقذف هذا، وبعضهم يتهم هذا، وبعضهم يحكم على هذا، وصاحب الفضيلة منشغلٌ بتحديث تجاربه العتيقة، ومنخدع بسحر التقنية، مسرور بانضمامه إلى فريق الناشئين، فتجده يظهر في شاشات اليوتيوب، يصدر الخطب الرنانة والانفعالات الجياشة، تبدأ بالغضب الشديد، وتنتهي بالتباكي على تغريدة عابرة قرأها على صفحة التويتر؛ ما يدل على أنه لم يدرك بعد أن شبكة التواصل الاجتماعي مجرد عالم افتراضي، وأن المشاركين تربطهم مع بعضهم شبكة خيوط اجتماعية وهمية، سواء كانت حساباتهم بأسماء شخصية أو مستعارة، كما ينم أيضاً عن جهل صاحب الفضيلة بالعيوب المصاحبة للتقنية؛ فهي ليست صناعة مُحكمة وآمنة، وإنما قابلة لعبث العابثين، ومعرَّضة للاختراق التقني، وسوء الاستخدام، فمن الممكن تقنياً تركيب فتوى صاحب الفضيلة في مسألة ما على مسألة أخرى مغايرة، وإعادة نشرها في الإنترنت، والتطوير التقني مستمر؛ فكل طبعة تقنية ستتبعها طبعة لاحقة تنسخ سابقتها، ومن الصعوبة بمكان وضع سقف لحرية التعبير في شبكة التواصل الاجتماعي، والطبعات المطورة لشبكات التواصل الاجتماعي ستزيد المغردين غلواً ومزيداً من التجني ورشق التهم، وتحفزهم على مزيد من التمادي في إصدار الأحكام الشرعية، ولكن عندما يتحرج صاحب الفضيلة من ابتذال رأيه الشرعي المعتبر، ويتحفظ عن المشاركة مع سرب المغردين المنفلتين، عندها سيسحب من تحتهم بساط الشرعية، ويكشف تجاوزهم الصارخ لضوابط الإسلام الوسطي المحافظ على هامش حرية التعبير المسموح به.
khalid.alheji@gmail.comtwitter @khalida