إن رجـــوع الآبقــيـــن والمخطئين لأحبائهم وأصدقائهم وأهلهم مرهون بقدر العتاب الذي ينتظرهم، والخوف من رفضهم بعد أوبتهم، ورغم الحنين المسيطر على الطرف الآخر، والأوقات التي قضاها في الانتظار، إلا أن المحاسبة خطوة غاية في الغباء، كمن يستبدل الاحتضان بصفعة خطافية.
عندما تنتظر عودة أحدهم إليك، وتلبس قناع الغضب أو الحزن عند رجوعه، فأنت تدفعه بعيداً عنك بكل تأكيد، لأنه مقيد بعار الخطأ والتقصير سلفًا، فعقيدة الحساب هنا، تخنق المشاعر وربما تكسرها، فما أحوج المخطئ لكلمة “كل شيء بخير وكذلك مشاعرنا، لم تنته الحياة، يمكننا أن نبدأ من جديد أو نكمل من حيث توقفنا” فهو يحتاج حد العوز لأن يعرف أن مكانته لم تتغير، وما حدث مجرد عارض بسبب سلوك خاطئ وسوء فهم لا أكثر، ولا يمكنه أن ينسف تاريخه معك.
لطالما سمعت أن العتاب دليل محبة، وأشك في صحة هذه الجملة، فالعتاب تذكير بالخطأ وتأكيد على الفشل وكأنه سيبقى ندبة لن تمحى، مثله مثل النصيحة دون طلب، أو في غير وقتها، لأنها إعلان مهذب عن الفشل، والغباء، والهزيمة، والإنسان لا يرضى الهزيمة حتى في لعبة، فكيف إن كنت تلقي على مسامعه بعد أن وقع الفأس بالرأس، موشحات من المفروض والواجب ومن أشهر الكلمات المحبطة “أنا قايل لك، شفت كيف نهاية اللي ما يسمع الكلام، أنت غلطان...إلخ”؟!
لنتوقف عن العتاب وتدمير علاقاتنا، وصفق الأبواب في وجوه العائدين دون قصد، وإن لزم الأمر لنستبدله بالبوح والحديث عن مشاعرنا عند غيابهم، وحجم افتقادنا لهم، دون تراشق المسؤولية، وتحديد ماذا نريد وماذا يريدون، عوضاً عن ما كان، لأنه انتهى، والإنسان يتغير بين ليلة وضحاها، فلنمنحهم الإيمان والثقة بأنهم كفء لنا وللحياة.
ولعل فترة الاختبارات فرصة مواتية لنتعلم كيف نقف بجانب أبنائنا الطلبة والطالبات، يكفيهم رعب الخوف من الرسوب، فالنجاح هدف الجميع، هم لا يحتاجون الأسطوانة المكررة “ذاكر، ذاكري” إنما لمسة حانية، ونظرة مطمئنة، وإعلان أننا مستعدون لمساعدتهم إن أرادوا، فالتشنج والصوت العالي، والتوعد، وتذكيرهم بالرسوب والفشل، لن يساعدهم، على العكس تماماً، إنه يعطيهم تصوراً مسبقاً عن الإحباط وعدم الثقة، يكفيهم ما يتناقل عن غموض المستقبل، وانعدام الفرص الوظيفية، أعتقد أنهم بحاجة لمن يحتويهم ويذكرهم أن الرازق هو الله، وأن قدراتهم وإيمانهم بأنفسهم من الممكن أن تحدد مصيرهم.
amal.f33@hotmail.com