منذ أن انطلقت مبادرة خادم الحرمين الشريفين بالدعوة لاتحاد شامل لدول مجلس التعاون الخليجي والتي وقوبلت بالترحيب من دول المجلس، والحديث يتمحور حول نقطتين الاتحاد كشكل ومضمون والتغيير الذي يلزم لتجانس الأنظمة في الاتحاد. هذا الحديث يتشعب في كل دولة من دول المجلس بحسب هموم وتطلعات الشعوب الخليجية، فهناك من يتوجس فقدان المكتسبات الشعبية و الحقوق الديمقراطية والمشاركة في الحكم، وهناك المتلهف لتحقيق صلابة سياسية وأمنية ومواجهة لأطماع و تأثيرات خارجية. وهناك من يستقرئ تحديات وعقبات يمثلها في شكوك حول قناعات القيادات الخليجية في جدوى الاتحاد من منظار التمايز في الرؤى السياسية والاجتماعية والتطلعات التنموية.
الحديث عن شكل الاتحاد وما سيكون عليه يستأثر باهتمام كبير ليس في دول الخليج فقط ولكن في الدول التي لها مصالح وعلاقات إستراتيجية مع دول الاتحاد المرتقب، ومعظم الآراء تجمع على أن يكون واحداً من خيارين فإما كونفدراليا أي اتحاد محدود في السلطات السيادية آو اتحاد فدرالي أي اتحاد سيادي كامل والأقرب للواقعية أن يكون اتحاداً كونفدرالياً بحيث تبقي الكيانات السياسية مستقلة فتحتفظ كل دولة بحدودها ودستورها وكيانها المستقل والتمثيل في المنظمات الدولية و لدى الدول الأخرى وتتحد في مجالات تمثل عائدا نفعيا لها وهذا يعتمد على التحديات التي تواجه الدول ومدى تجانس تلك التحديات فالتحديات الخارجية تفرض اتحاداً في المنظومة السياسية الخارجية و السياسات الدفاعية والتجانس في منظومات الدفاع و ترابطها وربما السياسة البترولية لكونها محور السياسة الخارجية لمعظم دول المجلس، والتحديات الداخلية تفرض اتحاداً في الشوون الداخلية ولكن معظم تحديات المجلس المتجانسة هي تحديات خارجية إما التحديات الداخلية فهي غير متجانسة بصورة واضحة، لذا لا يتوقع أن يكون هناك توحيد لوزارات الداخلية أو العدل أو غيرها، نعم سيكون هناك حاجة لتوحيد بعض النظم و الإجراءات لتحقيق دعم داخلي للاتحاد ولكن لن يتجاوز الاتحاد ذلك الإطار داخلياً.
لاشك أن الاتحاد سوف يؤثر في البناء السياسي لأي دولة فمثلاً سيكون اتحاد البحرين بباقي دول المجلس محفزاً الدولة لتمكين شعبي أكبر في السلطة، عندما تطمئن أن ذلك التمكين لن يستغل في الانزلاق لحضن الإرادة الإيرانية، فالاتحاد سيحمي الكيان السياسي متماسكاً ومدعوماً بالاستقرار العام لدول المجلس، كذلك الحال في الكويت، سيكون الاتحاد دافعاً لاطمئنان جميع المكونات الاجتماعية على استقرار الدولة و زوال الأطماع الخارجية فيها، لذا لا يجب إهمال حقيقة أن الاتحاد بين دول المجلس له ما يبرره ومن يرتاب في أن الاتحاد سينتقص من المكتسبات الشعبية في المشاركة السياسية في ظني مبالغ، بل إن المحتمل أن تكون الحكومات أميل لمنح حقوق إضافية للشعوب تتمثل في التمثيل السياسي الانتخابي و ربما المشاركة السياسية الكاملة.
إن التريث في تحقيق الاتحاد ودراسة المعطيات و التحديات بصورة شاملة أمر محمود، ولكن التشكيك في جدوى الاتحاد بحجة أن دول المجلس مختلفة التكوين والعلاقات الداخلية بين مكوناتها الاجتماعية أو أن سيادة الدول ستنتقص أو أن دولة ما ستسود غيرها في الاتحاد أمر لابد من مناقشته بصورة علنية حتى تطمئن نفوس المعارضين أو المشككين، دول المجلس طال الزمن أو قصر مصيرها اتحاد في صورة ما وكلما حدث هذا في وقت أقرب كانت فائدته أفضل وفرص نجاحه أكبر.
mindsbeat@mail.comTwitter @mmabalkhail