1. تعلّمت في المدرسة أن للسفر خمس فوائد.. وعشت في جو كل القصائد فيه والقصص وحواديت العجائز وسوالف الكبار تحث على السفر.. فقصص النجاح مربوطة بالسفر.. كما ربط به طلب العلا والعلم والآداب واكتساب المعيشة وصحبة ماجد.. والفرار من الذل والهوان والواشين والحسدة.. وكنت ألوم نفسي: لماذا لا أحب السفر كسائر الناس؟.. معتبراً ذلك شيئاً غير طبيعي.. بل غير صحيح ويجب تصحيحه.
2. لا شك أن السفر هو وسيلة اتصال مثلى وهو لهو ومتعة وتعلّم ودهشة.. أي أن السفر ثقافة.. لكن له تبعات تجعل منه أمراً غير مستحب لدى كثير من الناس وأنا منهم.. فالسفر مشقة لأنه مرهق نفسياً وبدنياً لكثيرين.. حيث لا نحب الاستعداد للسفر ولا وداع الأهل والولد ولا نحب ارتباك الوقت والطعام والانتظار في المطار.. ويوترنا ترقب إعلان تأخير الرحلة.. ذلك السيف المسلط على رقاب المسافرين خصوصاً في البلدان النامية مثلنا.
3. في الذهاب أو القدوم نترقب بتوتر ما سوف نواجهه في المطار فننشغل بهم ما قد نلاقيه في الجوازات أو الجمارك أو أن نفقد حقائبنا.. ويصيبنا التوتر خشية أن تتأخر الرحلة.. كما لا نحب تزاحم الناس أمام كاونتر السفر في المطار ولا التعامل الذي يلقاه المسافرون في التفتيش، حيث يشعرونك أنهم يتصيّدون أي خطأ حتى يعيقوك.. إضافة إلى أنه يصيبنا بالصداع وارتباك المعدة والحموضة والشعور بالإنهاك.. ويصيب بعضنا بالاكتئاب والقلق والأرق.. زد على ذلك أنك في السفر لست في أمان من تشاحنات المطارات والفنادق والمطاعم والتنقلات.. بما في ذلك المشاحنة مع رفقاء السفر زوجتك وأولادك أو أصدقائك وزملائك.
4. جربت السفر في حالاته كلها مفرداً أو بصحبة العائلة.. جربته سائحاً فما كسبت الراحة التي ابتغيتها فراراً من ركض الأعمال.. ولم أجد سوى الإرهاق والتوتر.. وجربته زائراً فوجدته مربكاً لي ومربكاً لمن زرته.. وجربته للحج.. وكلكم تعلمون أن الحج جهاد وكفى.. وجربته للدراسة فكانت ست سنوات من الغربة التي أثّرت في حياتي إلى يوم يوعدون.. وجربته لحضور المناسبات الرسمية أو مهمة عمل فلم يكفني توتر المطارات والفنادق، بل زاد عليها توتر المناسبة وإنجاز العمل.. جربته للعلاج ولم تترك غاية السفر للسفر من متعة.. باختصار أنا لا أحب السفر.