في هذه المقالة سأتناول بالإشارة المقتضبة، دعاوى باطلة لا تعدو كونها من أراجيف الجاهلية التي أبطلها الإسلام، وحذر منها صراحة في كثير من النصوص الشرعية، قضايا العنصرية والعصبية والنعرات القبلية، يضاف إليها قضايا عصرية طارئة، كالمناطقية والفؤوية والمذهبية، نلحظ تناميها بطرق وأشكال عدة وعبر وسائل متنوعة، بعضها أطل برأسه بقوة من جديد من خلال المسابقات المختلفة، باتت - وللأسف - الشغل الشاغل والسهام الموجهة لشرخ نسيج المجتمع؟ كيف أضحت عند البعض، هي المعيار لسبر الرجال، وتصنيفهم تحت دعاوى مقلوبة لا تخدم المجتمع بأي حال؟! دلنا شرعنا المطهر إلى المعيار الحقيقي لمعرفة الإنسان المؤمن الصالح بقوله {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، وكذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بقوله (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم) وفي رواية إلى أعمالكم، أبغض ما أراه وما أسمعه، احتقار إنسان كرمه الله من فوق سبع سماوات، بقوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}، احتقاره من أجل «لونه ونسبه وأصله ومنطقته ومذهبه» يا ترى كيف تسنى هذا التصنيف واستعرت ناره؟! وقد سمانا الله المسلمين، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، ونحن نتلو كلام الله ونتدبره ونقرأ سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وفيهما التحذيرات والتوجيهات الصريحة في هذا الباب كيف لا! ونحن نتلوا قوله تعالى {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ }.. الآية، بعضنا يعير الآخر بمنطقته والآخر بمذهبه والبعض بأصله ولونه ونسبه، أزعم أن رايات العنصرية حالكة السواد في الآونة الأخيرة باختلاف ألوانها وتوجهاتها ومآربها، باتت مؤرقة، في تاريخنا العطر، صحابة وقادة وعلماء مبرزين عبر التاريخ الإسلامي، يعدون من مفاخر أمتنا وحضارتنا الإسلامية، لم تعيرهم وتنتقصهم أجيالهم بسبب ألوانهم أو أعراقهم أو أصولهم، بل ثمنت جهودهم، فقدرهم التاريخ وحفظ سيرهم الحافلة بالعطاء، وتاريخنا المعاصر، شاهد لأمثال هؤلاء، إحياء هذه النعرات عن طريق إقامة الاحتفالات لها والمسابقات الشعرية والحيوانية، تبرزها القنوات الإعلامية الخاصة وتضخ الأموال الطائلة وتتلف الثروة الحيوانية من أجلها، بالله عليكم، هل هذا الفعل يخدم اللحمة الوطنية؟! أم هو الوقود الذي تتزود به هذه النعرات لضمان بقائها، رغم موقف الدولة فضلاً عن الدين، الرافض لهذا اللونمن التعصب، يكون الخطب جلل عندما يستمرئ الشخص خصلة ذميمة من خصال الجاهلية ويرفع رايتها في حله وترحاله، معتبراً إياها مفخرة من مفاخر الرجال، لنقف على صورة واحدة تجسد كراهية الإسلام للتعصب ونبذه، يمكن سحبها على الألوان الأخرى للتعصب التي هي بمثابة الأوجه المتعددة للعملة الواحدة، استوقفتني رواية «مؤثرة» للصحابي أبي ذر رضي الله عنه في عصر النبوة، تكفي لأن يعيد بعضنا، صياغة عقليته المتحجرة نحو الآخر، تقول: اجتمع بعض الصحابة في مجلس لم يكن معهم الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان أبو ذر فيه حدة وحرارة، فتكلم الناس في موضوع ما، فتكلم أبو ذر بكلمة اقتراح: أنا أقترح في الجيش أن يفعل به كذا وكذا.. قال بلال: لا.. هذا الاقتراح خطأ، فقال أبو ذر: حتى أنت يا ابن السوداء تخطئني، فقام بلال مندهشاً غضباناً أسفا، وقال: والله لأرفعنك لرسول الله، واندفع ماضياً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصل للرسول عليه الصلاة والسلام وقال: يا رسول الله، أما سمعت أبا ذر ماذا يقول في؟ قال عليه الصلاة والسلام: ماذا يقول فيك؟ قال بلال: يقول كذا وكذا، فتغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأتى أبو ذر وقد سمع الخبر، فاندفع مسرعاً إلى المسجد، فقال يا رسول الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهنا يقول أبو ذر والله ما علمت أرد علي السلام أم لا من هول الموقف وشدة غضب الرسول عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام «يا أبا ذر أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية، فبكى أبو ذر، وأتى الرسول عليه الصلاة والسلام وجلس، وقال يا رسول الله استغفر لي، سل الله لي المغفرة، ثم خرج باكياً من المسجد، وأقبل بلال ماشياً، فطرح أبو ذر رأسه في طريق بلال ووضع خده على التراب، وقال: والله يا بلال لا أرفع خدي عن التراب حتى تطأه برجلك، أنت الكريم وأنا المهان، فأخذ بلال يبكي، واقترب وقبل ذلك الخد، ثم قاما وتعانقا وتباكيا. نزعم أننا أتباع محمد عليه الصلاة والسلام ونحن نخالف هديه، تباً لهكذا عنصرية وعصبية، تسير عكس تعزيز الوطنية وتساهم في شرخ جدارها، وتحقر الإنسان وتزرع الكراهية والبغضاء بين المواطنين في الوطن الواحد، نعم وألف نعم، خمسة لاءات، لا «للعصبية» لا «للقبلية» لا «للعنصرية» لا «للمناطقية» لا «للمذهبية» ونعم واحدة «للوحدة الوطنية» وصدقت يا رسول الله «دعوها فإنها منتنة»....ودمتم سالمين.
dr-al-jwair@hotmail.com