منزلنا هو أحد ضحايا الانقطاع للمياه (الذي لم يعد متكرراً) بل متواصل على أحياء كثيرة في العاصمة والذي جفف وجه المدينة (الجاف أصلاً).
كثير من الأحياء التي تسكنها الشريحة المتوسطة جفَّت عن آخرها، وترى طوابير السائقين والأزواج وكبار السن مصطفين في هذا الحر الذي يغلي في انتظار قطرة ماء لا تأتي.
هذه المشكلة ليست فقط في الرياض، إنها أيضاً في جدة والطائف، كما هي في الباحة وتهامة، أي من وسط المملكة إلى غربها وجنوبها.. وهي تتكرر في كل صيف، ومن يكون منزله خلف مصلحة المياه مباشرة مثلنا (ويا للسخرية) ولا تصله المياه إلا نزراً يسيراً (عشر دقائق في الأسبوع مع ضغط ضعيف جداً لعائلة سعودية!!)، فهل يمكن أن يحقق هذا حتى حد الحفاظ على مستوى معقول من الحياة الإنسانية الكريمة النظيفة التي تمنع انتشار الأمراض وتبقي المرء حياً في درجة حرارة تصل إلى 42 درجة (الآن)؟ ومن يجرب مثلنا سيعرف تماماً معنى فقد المياه ويتعلم مراقبة استهلاكها نقطة نقطة.
وبالطبع ففقد المياه مرتبط بفقد الكهرباء التي تعتمد على المياه، فما نحن فاعلون؟؟ نحن في عز فورتنا الاقتصادية، وما نمر به من ازدهار مالي بسبب ارتفاع أسعار البترول سيقابله بلا شك تراجع مستقبلي لهذه الأسعار كما يحدث دائماً في كل دورة اقتصادية، أو بفعل محاولات الغرب (المعتمد على بترولنا) لإيجاد بدائل عن البترول تغنيه عن (استجداء) هؤلاء البدو الجهلة الإرهابيين -كما يدَّعون- الذين حباهم الله بما لا يستحقون!! ومع نظرة (فوقية) كهذه لنا كشعوب وحضارات عبرت عنه نظريات متعددة مثل صراع الحضارات، وأكدت عليها دراسات معظم مركز الفكر والبحث وخاصة في الولايات المتحدة، لا يبقي لنا إلا الوقوف مع أنفسنا بشكل جاد وشفاف لمراجعة المخصصات المالية الضخمة المعتمدة للمياه على وجه التحديد، وطرق صرفها ومشاريعها المتعثرة، وطرق تعاملنا نحن كشعب مع المياه.
سألت بعض الصفوف التي أدرسها في الجامعة وكانت طالبات في المستويات السادس والثامن، أي قريبات من التخرج، عن أية معلومات علمية لديهن حول المياه في المملكة.
كانت لديهن بعض الأفكار المتناثرة الضبابية حول شح المياه، لكن لم يتمكن من تحديد أين نحصل على المياه تحديداً في الرياض، وكم تبلغ التكلفة السنوية لنا هنا في العاصمة، أو كم نستهلك مقارنة بشعوب العالم، وكم يكلف لتر الماء مقابل علبة البيبسي، وكم يستهلك الإنسان من لتر ماء أثناء غسل أسنانه أو الاستحمام تحت الدش؟! (أنظر مثلاً: دراسة وزارة الكهرباء والمياه التي أجرتها بالتعاون مع شركة سنوفيت وموجود على موقع الوزارة)، إلى آخر المعلومات الحياتية التي يؤدي الوعي بها تدريجياً إلى التبصر والتفكر في كل قطرة ماء تصرفها: تماماً مثل فكرة الحمية والتي لا تنجح بضبط النفس لفترة زمنية مؤقتة بل تنجح حين يبدأ الإنسان في التفكر في كل ما يضعه في فمه، هل هو جيد لي وما نسبة السعرات الحرارية وما الأضرار الصحية المترتبة على الاستخدام المفرط للشوكلاتة والحلوى مثلاً بحيث يدفعه ذلك إلى تغيير اتجاهاته العقلية نحو الأكل، وهو تماماً ما يجب في قضية استخدام المياه مثل التفكر في معدل الأمطار السنوي الذي ينزل على مدن صحراوية مثل الرياض والإحساس بالمسئولية الاجتماعية تجاه كل قطرة ماء. فليس صحيحاً هذا الاتجاه المنتشر بيننا (الله وأكبر عاد وش بيسوي استهلاكي أنا بالنسبة لهاذي الملايين من البشر في كل المملكة؟!). فأنت وأنا وأخي وجاري نشكل هذا المليون في النهاية، والطرق التي نتعامل فيها مع الماء الذي شئنا أم أبينا ثروة غالية لأنه نادر سيحدد مدى توفره!
هناك أمور يجب أن نكون صرحاء فيها والناس تقولها علناً أو سراً: كل الأحياء التي انقطعت عنها المياه لا يسكن فيها أحد المهمين أو المسئولين الكبار!! هناك بيوت وقصور واستراحات ومزارع بمساحات شاسعة تصلها ملايين الأمتار المكعبة من المياه سنوياً، بينما لا تصل إلى مناطق سكنية ينخفض فيها الدخل الفردي وتقل فيها العناية بالنظافة الشخصية لتدني مستوى التعليم والرعاية الاجتماعية.
إذاً فموضوع الخدمات الاجتماعية وتوزيعها المتوازن بين الأحياء والمناطق الرئيسة والنائية والقرى.. الخ مهم جداً.
هذا كله إضافة إلى ضرورة معالجة الأطر التي يتم فيها التعامل مع قضايا حيوية مثل قضية المياه وإعطائها لمن لديهم رؤى إستراتيجية ويمتلكون القدرة على تجاوز البيروقراطية الحكومية والتعامل بذكاء مع قضايا الفساد التي أزكمت رائحتها الأنفس والعقول.
ويظل دور الوزارات مثل المياه والتربية والإعلام أساسياً لاستمرار حملة توعية غير تقليدية لتعريف المواطن بمسئوليته الأخلاقية المباشرة في الحفاظ على مصادر المياه. وأناشدكم أن تشركوا جارنا الذي يعمد باستمرار (هو يعرف ناس في البلدية فيما يبدو ويعرف من يوصله له وايتات الماء بالمجان) إلى التباهي بنظافته أمام غبارنا الكثيف وخرطوم المياه يغسل بكثافة سيارته وباب منزله (وهو مرة أخرى لا يعاقب على تسرب المياه من منزله لمعارفه الوثيقة) أمام حسرتنا للبحث عن وايتات ماء مهما بلغ سعرها لأنك ببساطة لا تستطيع أن تعيش من غير ماء.
وأخيراً لن تنفع أية حلول في رأيي سوى شيء واحد: قطع المياه عن بيوت من يسرف في استخدام المياه بطريقة تضر بالصالح العام.