كل زعيم يأتي إلى السلطة يبدأ عهدَه بإعلان الحرب على الفساد ومكافحة الفقر. هم يعلمون أن هاتين القضيتين هما الهاجس الكبير للشعوب.. فمكافحة الفساد تعني تخليص واستنقاذ أموال طائلة من أيدي اللصوص المتنفذين في المراكز الحكومية الكبيرة وأصدقائهم في الشركات الكبرى ومؤسسات القطاع الخاص التي تتغنى بحرية الاقتصاد ولكنها تعمل كل ما في وسعها لخنق هذه الحرية عن طريق الاحتكار والرشوة.. أما القضاء على الفقر فهو حلم الملايين من شعوب العالم، وخصوصاً العالم الثالث الذي يرزح معظم سكانه تحت خطوط الفقر بتعريفاتها المختلفة!!
نحن تابعنا الوعود الكبيرة للمرشحين الرئاسيين في الانتخابات المصرية عن مكافحة الفقر والقضاء على الفساد، ونتمنى كل الخير والتوفيق للأشقاء في مصر لأن في مصر خيراً كثيراً يمكن استثماره لصالح البلد والمواطنين إذا تمخضت برامج الرئيس الجديد عن إصلاح وتطوير حقيقيين في إدارة موارد البلاد واستطاع هذا الرئيس الجديد وأجهزة الحكم استنقاذ مليارات الجنيهات من أيدي الفاسدين. ومع العلم بأن زمن المعجزات والاختراقات السريعة قد انتهى، سنظل ننتظر لنرى ما الذي يمكن عمله في المدى القصير وفي المدى الأطول على هذا الدرب المليء بالعقبات. لكن الحديث وحده لا يجدي، كما أن النية الصادقة وحدها هي أيضاً غير مجدية لأن الفاسدين - في كل مكان - ينشطون في جميع البيئات ويتسلقون مثل النباتات الشيطانية ويملكون من الحيل والأساليب ما يجعلهم بمأمن من أجهزة الرقابة الحكومية التي يحدث كثيراً أن تغرق هي نفسها في أوحال الفساد ثم تعمل على حمايته!
في خضم معركة الانتخابات المصرية كانت تجري معركة انتخابية أخرى في بلدٍ أوروبي يكاد ينتمي من الناحية الفعلية إلى العالم الثالث من حيث الفساد المعشش في الأجهزة الحكومية. ذلك البلد هو صربيا، وقد فاز في الانتخابات المرشح الرئاسي «توميسلاف نيكوليتش»، وهو رجلٌ سيئ السمعة، لكن أول تصريحاته كان قوله: «على صربيا تطوير اقتصادها والقضاء على الفقر.. علينا أن نباشر العمل للتخلص من الفساد».
أجل إنه الفساد مرة أخرى والفقر مرة عاشرة! كلٌ يمتشق سلاحه للحرب على الفساد.. لكن الفساد لا يزداد إلا استشراءً في بلدانٍ صارت أجهزتها الحكومية منخورة من الداخل بسوسة الفساد.
الفساد لا يُكافح بالكلام الحماسي.. وكذلك الفقر.
الفساد تكشفه الشفافية الصادقة التي تنفذ إلى عمق دهاليز وكهوف الفساد وتشير بالإصبع الواثق نحو وجوه الفاسدين وتقول هؤلاء هم الفاسدون لا يهمنا من يكونون، ثم تسوقهم إلى أجهزة التحقيق والقضاء وتكشف أوراقهم أمام الملأ.. بشرط ألا يكون المحقق والقاضي هما أنفسهما فاسدين.
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض