في المجتمعات المتقدمة، تعتبر الكتابة الصحفية «مهنة» مكتملة الأركان، يحصل صاحبها على عقد مجز يصل إلى ملايين الدولارات سنوياً، هذا عدا تحمل الجهة لتكاليف السفر إلى أي مكان في العالم، ومميزات أخرى لا يحصل عليها كبار موظفي الدولة ورؤساء الشركات الكبرى، وهنا يحضر كمثال بات بوكانين وروبرت فيسك وجورج ويل وديك موريس، وغيرهم كثير ممن تنشر مقالاتهم في معظم صحف العالم، وتتناقلها وكالات الأنباء، بل إن بعضهم يساهم في صنع القرار السياسي، سواءً علم عن ذلك أو لم يعلم، كما يحصل أحياناً مع الكاتب المستقل توماس فريدمان!، وغيره من كبار الكتاب.
وهذا بالتأكيد لا يعني أنني أزكي هؤلاء الكتاب، فلا يوجد في هذا العالم الذي نعيش فيه كاتب مستقل تماماً، فكل كاتب تسيره نزعاته القومية والدينية ومصالحه في كثير من الأحيان.
هذا، ولكن هناك حداً أدنى للمصداقية واحترام القارئ يفترض أن لا ينزل الكاتب دونه، وليس هناك مشكلة في ذلك، فالقارئ ذاته له نزعاته الذاتية، والتي قد تتوافق -ولو في حدها الأدنى- مع نزعات الكاتب، وأعني هنا أنه لا يوجد أيضاً قارئ مستقل تماماً!، ولعلي هنا أذكركم بكبار صحفيي العالم الغربي عندما صفقوا وزغردوا بعد إعلان بول بريمر نبأ القبض على صدام حسين، فقد كانوا لحظتها كما طلاب في إحدى المدارس الابتدائية، لا كصحفيين كبار، وهي اللقطة التي سخر منها الكاتب روبرت فيسك كثيراً في تحقيقاته ومقالاته.
حسناً، ماذا عن الكتاب الموقرين في صحفنا المحلية؟.
أعترف أن هناك من نفاخر به عندما يتعلق الأمر بالمهنية والاستقلالية في حدها الأدنى على الأقل، ولكن يوجد منهم من يلعب على مشاعر القراء، فأحدهم كان مراسلاً مغموراً لا يعرفه أحد، ثم منحت له الفرصة ليكون كاتباً، فأصبح همه الأول «التكسب» من هذه المهنة، فتحسنت أحواله المالية والوظيفية، وأصبح ضيفاً دائماً على المجالس العامرة، ومسافراً لا يقر له قرار، حتى تحولت زاويته إلى «مفكرة» يكتب فيها تفاصيل رحلاته إلى ذلك البلد الساحر بلا حياء ولا خجل، فهل اكتفى بذلك؟ لا، لم يفعل، بل استغل الإعلام الجديد ليقلب ظهر المجن لماضيه الذي يعرفه الناس جيداً، وتحول إلى «واعظ» يعلمنا أصول «الحشمة والمحافظة»!، وفجأة تحول السائح المغرم بكل ما هو جميل، إلى «محافظ» تؤذيه إقامة المؤتمرات الثقافية، ثم اتهم زملاءه الكتاب والصحفيين ورؤساء التحرير بكل ما هو سيئ، وكأنه لا يعلم أن أحد رؤساء التحرير -سامحه الله- هو الذي صنع منه شيئاً مذكوراً!.
وختاماً، نقول له ولمن هم مثله: «تستطيع أن تخدع بعض الناس لبعض الوقت، ولكنك حتماً لن تخدعهم كلهم كل الوقت».
فاصلة: «لا خير في الذكاء إن لم يجعلك حكيماً».
ahmad.alfarraj@hotmail.comتويتر @alfarraj2