- هناك معركةٌ يومية تدورُ رحاها على حدود بلادنا وداخل حواضرها وقراها بل وهجرها، بين أجهزة الأمن المظفّرة وفلول الهجرة غير الشرعية وعصابات التهريب، تحاول إلحاق الأذى بكياننا الغالي عبر (التسلّل) مستترةً بعباءة الليل البهيم، وقد تبلغُ ببعضها الجرأةُ حداً تجعله يمارسُ زحفَهْ غير المقدس تحت أشعة الشمس الحارقة، وبفضلٍ من الله، تتمُّ مواجهة هذه (الحملات) بنجاح من قبل رجال الأمن الأفذاذ، يستوي في ذلك المرابُطون منهم على الحدود والمنتشرون في المدن والقُرى، كلُّ منهم في مجال اختصاصه وقليلون منهم يُستشهدون أو يصَابون، وبعضُ المتسللين يتمكّنوُن من الفرار إلى حيث جاءوا، مخلَّفين وراءَهم ما كانوا يحملون من مخدرات وأسلحة ونحو ذلك.
***
- هنا آتي إلى (بيت القصيد) في هذا الحديث وهو إن قضية المتسلّل ومثله المقيم في البلاد إقامةً غير مشروعة (صداع مزمن) للوطن والمواطن، والجهات الأمنية المعنية بذلك، والتعامل معه لا يمكن أن ينتهي في سنة ولا سنتين ولا في أكثر من ذلك، وتتطلب مواجهته علاجاً مركّباً تتضافر فيه كل الجهود وتتقاسم الأدوار من أجله أكثرُ من جهة، خاصة وعامة، وهذا من الأمور التي تمارس البلاد من خلالها سيادتَها وكرامتَها وتحفظ مصالحَ أبنائها.
***
- إن الدولة رعاها الله لم تبخل بجهد ولا مال ولا أرواح حماية للوطن من هذا الطاعون البشري المستبدّ، وهي في الوقت ذاته تسنُّ من القواعد والتعليمات الكثيرَ لتقنينِ وضبطِ ظاهرة الوافد الأجنبي، لكنها ستبقى هاجساً مقلقاً للجميع، مواطنين ومسئولين.
***
لماذا ؟
أولاً:
- أنّ المملكة هي قبْلة العالم الإسلامي، يُؤمّها ملايين المسلمين كل عام عبر المواسم الدينية، حجّاً وعمرةً وزيارةً، والمشكلة هنا أن يُسرَ وسائل النقل الحديث، وازديادَ حجم الاستيعاب في المشاعر المقدسة بفعل مشروعات التوسعة الضخمة التي تنفذها هذه الدولة المباركة، يضاف إلى ذلك تنامي الشعور الديني في كثير من الديار الإسلامية، كل تلك الاعتبارات حوّلت معظمَ أشهر السنة إلى مواسم دينية، بدْءاً من شهر صفر، مروراً بشهر رمضان المبارك، ثم تحلّ فترةُ الحج، بدءاً من منتصف شوال تقريباً لـمَنْ أراد أنْ يقرنَ الحجَّ بالعمرة تمتّعاً، وتستمر حتى نهاية محرم.
***
ثانياً:
- ما دام الأمر كذلك، فستبقى المواسم الروحية، سبباً قوياً لقدوم ملايين البشر سنوياً إلى بلادنا، ولو كان الغرضُ من قدومهم قاصراً على أداء الشعيرة الدينية فحسب، ثم يعودون من حيث أتوا، لهَان الأمرُ كثيراً، لكن أعداداً منهم (يقررون) البقاءَ لسبب أو لآخر، وخاصة الفئاتِ المنتميةَ منهم إلى مجتمعات فقيرة، إذْ يأتي أحدُهم إلى المملكة تسيّره الرغبة في أدراك الحُسْنييْن: أداء الشعيرة الدينية، وطلب الرزق بأي حيلة أو سبيل، استهداءً بما تواتر في مجتمعه من أنّ لدى المملكة وشعبها تدفقاً مالياً وفيراً، وفرصاً وظيفية أكثر وفرة ممّا في سواها من كثير من البلدان الأخرى !
***
- أختم هذا الحديث متذكَّراً ومذكّراً بالدور الخطير للمواطن في هذه المعادلة الشاقة، وأن تعاونه رديفٌ مهم لجهود الدولة في هذا السبيل، وبدونه قصداً أو تهاوناً أو غفلة سيكون العملُ مبتوراً، ولذا، أرى أن المواطن يرتكب خطأً مفصلياً حين يتستر على مقيم إقامة غير مشروعة إيواءً أو نقلاً له أو توظيفاً، وفعله هذا لا ريب مخالفة خُلقية ووطنية وإنسانية!
***
مرة أخرى.. لماذا ؟
- لأنه يعسَّر ولا يُيسَّر جهودَ الدولة في ملاحقة المتخلف، حتى مع افتراض حسن النية من أحدهما أو كليهما.
- ولأنه يُؤذي المتخلفَ نفسَه بإغرائه بالبقاء ابتغاءَ منفعةٍ يستصحبها بقاؤه عاجلة كانت أو آجلة ! تستتر أحياناً برداء الابتزاز القبيح!
- وأخيراً.. وهو الأهم، لأنه يؤذي الوطن بمحاولته إلحاقَ الهزيمة بإجراءٍ سُنَّ في الأصل لحفظ مصلحة الوطن، وكرامة ورزق المواطن!
***
وبعد..،
- فإنه ينبغي أن يكون للمواطن الغيور على وطنه حضورٌ مشهود ضمن معادلة (مكافحة التخلف) يدعم جهود الدولة، وأرى أن يكون التعامل لتحقيق هذه الغاية ذا شقّيْن:
أ) شقّ تَوْعَويّ تتقاسمه المراكز الدينية والإعلامية مسموعةً ومقروءةً ومرئيةً، لمن يستجيب للكَلِم الطيّب، ويحترم فروضَ وسننَ الولاء للوطن، والانتماء إليه.
ب) شقّ ردْعيّ قوي وحازم.. لمن لا يستحي من الله، ولا من وطنه، ولا من نفسه!