لا أدري عن سر هذا التشكيك والحذر من سطوع نجم التيارات الإسلامية في الآونة الأخيرة، وهذه المرارة التي يبديها كثير من المحللين والكتاب في وسائل الإعلام العربية حول نجاح هذه التيارات في استقطاب وحشد الناس نحو برامجهم ذات الطابع الإسلامي.
وقد يكون هناك ما يبرر ذلك استنادا على ما ارتكبته ولا زالت ترتكبه مجموعات أساءت إلى الإسلام وأهله باسم الإسلام، حتى صار المسلم وخاصة العربي مشبوها ومشكوكا فيه باستمرار في كل مكان في العالم، والخشية والخوف من أن يأخذنا نجاح بعض التيارات الإسلامية إن وصلت إلى الحكم في بعض الأقطار العربية إلى مصادمات هوجاء مع الآخرين، مما يرتد على أمتنا العربية والإسلامية بالأذى والشر المستطير، ونحن في أمس الحاجة إلى البناء والنمو على أسس صحيحة وسليمة، كنا ولا زلنا نريدها وننشدها لنقل الوطن العربي إلى مرحلة القدرة والكفاية في الدفاع عن قضاياها، بعد إن أدخلتنا متاهات الأيدلوجيات الفكرية والقومية والعنترية في مخاضات عسيرة، خسرت فيها الأمة العربية الكثير والكثير ابتداء من فلسطين وليس انتهاء بالصومال والعراق والسودان، مع ما رافق ذلك من تشرذم وتفتت في المواقف والعلاقات، لكن ما لا يبرر هو نشاط هذا التوجس وانفعاله إلى حد يمكن أن يراه البعض تحاملا وتعسفا على تجربة جديدة تؤكد باستمرار نفيها القاطع أن تكون لها علاقات أو صلات بالمجموعات المتطرفة والمغالية في فكرها وتوجهاتها، بل وتطرح مشروع نهضوي ممنهج وجاذب لا يقصي أحدا، ولعل التجربة التونسية التي جمعت العلمانية وحزب النهضة الإسلامي في إدارة دفة البلاد بسلاسة وحكمة تعطي لمحة أو مؤشرا إيجابيا يقدر على تفعيل التفاؤل ويحد من حالة النشاط المزعج في التوجس والحذر .
لقد أصبحت بعض المقالات الصحفية التي تتحدث في هذا الشأن وتجرح بطرف خفي بين السطور في مشاعر ووجدان الفرد العربي المسلم موجعة وصاخبة وبغيضة، وإذا كان من طبيعة المواقف السياسية الحركة وعدم الثبات على حال تماشيا مع المصالح فإن استقرار وثبات العمق التاريخي في الوجدان العربي الإسلامي لا يصح استخدامه بهذا التسطيح أو العبث به لتحقيق مصالح أو رغبات سياسية، وفي اعتقادي إن خطر مثل هذا العمل في بث القلق والاضطراب أكبر وأعظم من الدخول في تجربة جديدة محاطة بالتوجس والحذر، خاصة وأن ميادين الحراك السياسي اليوم في دول الربيع العربي محكومة بالعمل الديمقراطي المستند على رأي الأغلبية، ومن نجح اليوم قد يسقط غدا، ومثلما نجح برأي الأغلبية فلن يسقط بانقلاب أو تزوير بل برأي الأغلبية أيضا، وهي تجربة جديدة في عالمنا العربي كانت إلى وقت قريب من أساطير الخرافات وأحلام السفهاء، ولهذا تأتي الدهشة والعجب والاستغراب من الكثيرين إزاء ما يقرؤونه على أعمدة الصحف أو يسمعونه ويشاهدونه على بعض القنوات الفضائية من بعض المحسوبين على الثقافة والفكر العربي حين يجتهدون في التشكيك والتحبيط من قدرة التيارات السياسية ذات الفكر الإسلامي في القيادة والحكم، استنادا على لبس وخلط بين مجموعات ظهر أذاها وشرها على الأمة من خلال أفعالها الحمقاء وبين ناشطين سياسيين اختاروا الفكر والاتجاه الإسلامي ليأخذوا به الأمة إلى عصر النهضة والتقدم، هذا الخلط واللبس وهو في الغالب الأعم قد لا يكون مقصودا ولا حتى مدرك من قبل البعض إلا أن تجاهله أو عدم إتاحة الفرصة لإظهاره وبحثه من قبل بعض وسائل الإعلام قد يجعل المتلقي يشعر أن خلفه توجهات سياسية تعمل ضد العمق الوجداني المترسخ في الفرد العربي المسلم، وبالتالي تعطي رد فعل معاكس في الاتجاه وموازي في القوة لشيطنة الفكر الليبرالي والعلماني باعتباره خصما وعدوا للأمة، وهي أي الليبرالية والعلمانية ليست إلا فكر فلسفي يحاول ويجتهد في البحث عن أفضل الفرص للعدل والمساواة بين الناس باختلاف طبقاتهم، بل إن هذا الخلط واللبس قد يفشل الرغبة والطموح لهذه الأمة في الدخول لعصر النهضة ويزرع حالة التشرذم والتخلخل في جسدها ويجعل خيار العودة إلى الوراء والى سلطة الخلافة التي مضى زمانها هو الخيار الأمثل لحالة من الجهل واجهت عداء لمعتقداتها المترسخة في وجدانها فصار من طبيعة ومنطق الأشياء أن ترتد إلى الخلف وتبحث عميجيد دغدغة مشاعرها، وهذا أخطر ما يمكن تصوره.
Hassan-Alyemni@hotmail.comTwitter: @HassanAlyemni