الحمد لله، لا يحمد على مكروه سواه، فهو الذي امتحن العالمين في جميع أصقاع الدنيا بأزمة الديون اليونانية.. فلو سألت مزارعاً من أرياف أمريكا اللاتينية أو صياد أسماك في جزيرة بالمحيط أو راعي أبقار من قبائل الماساي في إفريقيا.. لو سألتهم عن أحوالهم الاقتصادية لأجابوك بأن كل النكد الذي ينغص عليهم حياتهم إنما هو بسبب أزمة الديون اليونانية واحتمال خروج اليونان من الاتحاد الأوروبي وتداعيات ذلك على اليورو!
وسوق الأسهم السعودي الذي تعرض في الآونة الأخيرة للهبوط بعد موجة عارمة من التفاؤل، هو الآخر يعيش حالة من النكد.. وقد فسر البعض هذا الهبوط بأنه من جرَّاء أزمة الديون اليونانية. هذا التفسير تسمعه في كل مكان: تسمعه في المجالس الخاصة، وفي البرامج التلفزيونية الاقتصادية، وفي الإذاعات.. وتقرأه في الصحف وفي الإنترنت.
لو كان نهاد قلعي حياً لكرر عبارته الشهيرة وحوَّرها قائلاً: إذا أردت أن تعرف ماذا في الرياض عليك أن تعرف ما يجري في أثينا..! ولم لا.. فالعالم متشابك، وربما يكون توسُّع الحكومة اليونانية في الاقتراض والصرف بلا حدود وبما يتجاوز الإمكانيات المالية لليونانيين هو الذي أدى إلى هبوط سوق الأسهم السعودي.
حقيقة الأمر أن متاعب سوق الأسهم السعودي لا علاقة لها بما يفعله اليونانيون، ويكفي هؤلاء اليونانيين تعاسة ما تلقوه من عبارات التوبيخ والمهانة على يد السيدة «لاجارد» مديرة صندوق النقد الدولي التي عيَّرتهم بأنهم قومٌ لا يدفعون الضرائب المستحقة عليهم وأن ما حلَّ بهم هو من صنع أيديهم ولذلك فإن فقراء إفريقيا أحق منهم بالمساعدة.
ما حدث ويحدث في سوق الأسهم السعودي له تفسير رئيسي واحد، والباقي مجرد هوامش صغيرة. فمع الاعتراف بتشابك العلاقات والتأثيرات المالية بين أسواق العالم وبأن الاقتصاد السعودي - بما في ذلك سوق المال - يتأثر بما يجري في العالم، فإن السبب الحقيقي للهبوط في سوق الأسهم هو المضاربات الجشعة التي يقودها نفرٌ من الناس سيئي النية.. هؤلاء الذين لا يهمهم اتجاه حركة السوق إن كان للأسفل أم للأعلى لأنهم مثل «المنشار» يأكلون في الصعود وكذلك في الهبوط.
مساكين أولئك الذين أتعبوا أنفسهم في التحليل الاقتصادي المنطقي وتوقعوا خلال الفترة الماضية أن ينتعش السوق لأن الشركات المساهمة تحقق أرباحاً جيدة ولا تعاني من المتاعب الاقتصادية.. هؤلاء فاتت عليهم أشياء كثيرة ليس آخرها الوضع الاقتصادي في اليونان..!
نحن نعرف أن «المضاربة» هي حقيقة من حقائق السوق المالية في أي مكان في العالم، وهناك من يعيشون على هذه الممارسة المعروفة ويلتقطون رغيف خبزهم اليومي منها.. ولكن عندما تتحول «المضاربة» إلى ممارسة تآمرية فهي تصبح أسوأ من القمار نفسه.. ولذلك فإن أفضل ما نسديه لأنفسنا من جميل هو أن نبتعد عن حرائق سوق الأسهم كلما شممنا رائحة تشي بأن الحريق إنما هو بفعل فاعل.. وعذراً أبناء سقراط وإفلاطون فقد أصبحتم شماعة العالم..!
alhumaid3@gmail.com
ص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض