بمناسبة اقتحام مجموعات من الشباب في المملكة لثلاثة أمكنة (مهجورة) قيل إنها (مسكونة) بالجن كنا قد قلنا في المقالة السابقة إن أحد رؤساء التحرير في إحدى الصحف الكويتية وفي الاجتماع اليومي لطاقم التحرير قال لصحفييه من هو على استعداد لأن ينام مع الجن؟! وحينما طأطأ الزملاء رؤوسهم من الخوف أردف: أنا لا أريد أن أرسل أياً منكم إلى حروب القرن الإفريقي ولا لحرب الهند الصينية، أنا أريد واحداً منكم يتبرع بعمل تحقيق صحفي عن القصر المهجور الواقع في مدخل منطقة السالمية وينقل للقراء ما يشاهده أو يسمعه في الليل عما يحدث -حقيقة- في ذلك القصر. وقلنا إن جميع المحررين صمتوا وكأنه حام على رؤوسهم الطير، آنذاك صمت رئيس التحرير قليلاً ثم أطلق زمرة هائلة و(خبط) الطاولة قائلاً إن هذا الموضوع يعتبر (خبطة) صحفية لجريدتنا لا مثيل لها، فمن على استعداد أن يسكن لـ(ليلة واحدة) في القصر المسكون بالجن!!
أقول وبعد أن (خق) الجميع خوفاً رفعت محررة الشؤون الفنية يدها الرقيقة وقالت بكل ثقة: أنا، أنا، أنا يا أستاذ لها، فابتسم رئيس التحرير ثم نكّس رأسه قائلاً: شكراً، شكراً أيتها الزميلة (البطلة) إنني أقدر شجاعتك ولكن.. قالت: لكن ماذا؟. قال لها: أنت امرأة والمرأة رقيقة القلب، شفافة العاطفة، سريعة التأثر. قالت: ولو.. هنا قلب من حديد وأشارت إلى صدرها. آنذاك صفق الجميع للمحررة وانفض الاجتماع.
وغادر رئيس التحرير قاعة الاجتماعات بينما هرع بعض الزملاء إلى المحررة فواحد يقول لها: سيخطفك الجن، وواحد يقول لها: اقرئي المعوذات، وواحد يقول لها: عليك بـ(البسملة) الدائمة، وواحد يقول لها: خذي حجاباً أو حرزاً من (المشعوذة) الفلانية!!، وواحد يقول: خذي مسدساً. ثم رفعت صوتها بالقول: لن آخذ شيئاً سوى هذا المصحف الصغير وهذه الكاميرا. وتقلدت كاميراها واتكلت على الله.
في اليوم الثاني نشرت الجريدة تحقيقاً عما رأته وتخيلته وشعرت به مع صور غامضة أو بالأحرى (مهزوزة) عمداً تعتمد على الضوء والظل وخيال الأشياء وانعكاسات أضواء الشارع العام على جدران بعض الغرف، وبالفعل كان ذلك التحقيق خبطة (صحفية) أخذ يتحدث عنها الجميع ولم تبق نسخة واحدة من الجريدة التي تعمل فيها المحررة التي كتبت في آخر التحقيق (غداً المفاجأة المذهلة في القصر) وحينما هرع الناس لشراء الجريدة لمعرفة تلك المفاجأة المذهلة، ولكن الصدمة الهائلة للقراء أن المحررة كتبت (لقد كذبت عليكم فأنا لم أر جناً ولا عفاريت زرق ولا ما يحزنون وكل ما رأيته هو ظلال لبعض الأشجار وكل ما سمعته هو صرير الأبواب ولكن يغفر لي كذبي هو كذبكم على بعض لسنوات عدة عن هذا المنزل المتهالك المهجور وذلك لأن الجن علمه عند الله وهو يهرب من الإنسان الذي يتسلح بكتاب الله والإيمان والثقة بالنفس والثقة بالنفس لا أكثر.