ما حدث في سوريا على مدى الشهور الماضية وتحديداً مجزرة الأطفال الرهيبة في الحولة هز وجدان كل إنسان يحمل في قلبه ولو ذرة واحدة من شفقة أو رحمة أو عاطفة تجاه أخيه الإنسان فما بالك إذا كانت تجمعه بهذا الشعب المظلوم وشائج الدين والدم والمصير الواحد وأطفاله الأبرياء يُسحقون بقوات نظام ظالم لا يرحم. ردود فعل الناس في مملكة الإنسانية كانت طبيعية ومتوقعة، بل ربما أقل من المعتاد من شعب أصيل وكريم ومبادر يرى الوحشية والهمجية ويشاهد حكومة تقتل شعبها وتبيده لمجرد أنه طالبَ بحريته وحقه الفطري في الحياة، وكان فعلاً مُقدّراً أن يهب هذا الشعب النبيل لنصرة إخوانه في سوريا ويُطالب بالدفع بالمساعدات العاجلة لهم وجمع التبرعات وإيصالها بأسرع وقت. هذه المطالب الشعبية المُلحة في المملكة العربية السعودية كان الأجدى أن تُوجه لولاة الأمر أصحاب القرار والشأن لا أن تتم على هيئة محاولات فردية لبعض المجتهدين من العلماء والمشايخ وتنظيم حملات لجمع التبرعات في المساجد والحارات والجمعيات الخيرية. أدرك حُسن نوايا المبادرين وألمس من أحاديثهم عواطفهم الجيّاشة ولا أتوجّس خيفة من أسماء مشهود لها بوطنيتها وحرصها الدائم على التواجد في مسارح الأزمات إسهاماً منهم في طرح أي حل وتقديم أي مساعدة، ولكن تجاربنا مع المبادرات الفردية غير مشجعة للدولة لتكرارها فقد استغلت في أوقات سابقة أسوأ استغلال ناهيك عن أنها تتم عادة في أجواء فوضوية لا يحكمها نظام ما يُؤدي إلى انفلات الأمور ودخول عناصر لها أهداف دنيئة واتصالات خارجية لدعم جماعات إرهابية تضر بمصالح الوطن تجد في مثل هذه الحملات الفردية فرصاً ذهبية نادرة فتجمع هذه الأموال لترتد لصدورنا في نهاية الأمر أسلحة فتّاكة وأدوات ومعاول لهدم منازلنا على رؤوسنا، وهو ما عانينا مرارته أثناء جمع التبرعات في الحرب الأفغانية، فوسط العواطف الجياشة والتعاطف الجامح جمعت آلاف الريالات عدا التبرعات العينية، ففي المساجد كان الرجال والنساء يقفون عند أبواب الدخول والخروج بأكياسهم البلاستيكية وصناديقهم الخشبية التي يحملونها بين أيديهم والناس يتدافعون نحوهم يلقون بما تجود به أنفسهم من نقود كل حسب قدرته، وعلى وقْع النقود داخل الأكياس والصناديق تخلع النساء سلاسل الذهب والأساور والرجال ساعاتهم للتبرع بها طلباً للأجر والمثوبة وسط تحفيزات المنظمين ودعوات الجابين للمتبرعين بسعة الرزق وطول العمر ودول الجنة.
غادرتنا هذه التبرعات دون أن ندري إلى أين اتجهت وهل وصلت فعلاً لأهلها؟ ولم نفق إلا على أصوات الرصاص ودوي الانفجارات داخل بلادنا ودوران دولاب الإرهاب الكريه، وكانت هذه الدواعي كافية للدولة لاتخاذ قرار حاسم بوقف أي تبرعات لا تكون تحت مظلتها مباشرة كونها تخلق ارتباكاً يتيح لعشاق الفوضى العبث وتحقيق الأهداف الذاتية، وفي الشأن السوري اندفع بعض المجتهدين لتكرار نفس السيناريوهات السابقة ما دعا المسئولين لإيقافها فوراً وأخذ التعهدات على المندفعين، ورأى مفتي عام المملكة ضرورة أن تكون التبرعات تحت إشراف الدولة وإلا اعتبر ذلك خروجاً على طاعة ولي الأمر.
نعم دعوهم يتبرعون ويقفون مع الشعب السوري المظلوم لكن تحت إشراف الدولة التي نظمت أضخم الحملات في أوقات سابقة لدعم كل الشعوب المكلومة والمنكوبة.
shlash2010@hotmail.com
تويتر abdulrahman_15