في مطلع عام 1404هـ قدمت إلى الرياض من بريدة ولما أزل طالباً في المرحلة الثانوية وحللت آنذاك ضيفاً في بيت خال والدي رحمهما الله إبراهيم الدخيل.
في مساء تلك ذلك اليوم حضر إلينا فضيلة الشيخ عبدالرحمن السديس وهو آنذاك حديث التخرج من الجامعة وإمام لأحد المساجد في مدينة الرياض يعلوه وقار وسمت وهيبة واحترام.
كان الحديث ماتعاً وليلة لا تنسى وكنت أستمع فيها إلى حديث الشقيقين الشيخان الفاضلان الشيخ عبدالعزيز الدخيل وصديقه ورفيق دربه التعليمي الشيخ عبدالرحمن السديس حيث تزاملا مع بداية المرحلة المتوسطة حتى تخرجهما من الجامعة.
بعدها بأشهر قليلة صدر الأمر السامي الكريم في شهر شعبان بتعيين فضيلته إماماً وخطيباً للمسجد الحرام.
سمعتهما يتذكران ويتذاكران بشوق نشوة التخرج والتفوق والتميز والتحصيل العلمي على يد ثلة عالية من العلماء الأجلاء في كلية الشريعة بالرياض.
سمعت من الشيخ عبدالعزيز الدخيل ثناء لا ينقطع ينقله عن شيخهم المقرئ الشهير الشيخ محمد ذاكر رحمه الله الذي يقول إنه لم يمر عليه قارئ بهذا التميز والحفظ والضبط للتلاوة مثل تلميذه عبدالرحمن السديس.
قاب أن يطوي الشيخ عبدالرحمن السديس ثلاثين عاماً على إمامته وخطابته في المسجد الحرام وهو هو في سمته ووقاره وأدبه الجم وتواضعه ونفعه للناس.
ثلث قرن لم تمر سهلة على علم وإمام وشخصية علمية متميزة أحبه المصلون والراكعون والساجدون والطائفون بالبيت الحرام بصوته الشجي وتلاوته المجودة وترتيله المتقن ودعائه المنتقى وخطبه الحماسية الشهيرة التي صارت محط أنظار وأسماع الخطباء يتلقون عنها ويلتقطون منها
وصارت خطبه المطبوعة في أجزائها المتعددة والموسومة « كوكبة الخطب المنيفة من جوار الكعبة الشريفة « مرجعاً هاماً لكل خطيب وواعظ وداعية لما تضمنته من صياغة علمية ودعوية متميزة.
إنه أحد أبرز الخطباء عمقاً وموضوعاً ولغة وبلاغة خلال مسيرته وإمامته في المسجد الحرام واستطاع فضيلته أن يلتقط منهجاً دعوياً واضحاً يهتدي فيه بالكتاب والسنة وما سار عليه علماء هذه البلاد في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة بعيداً عن المناكفات والملاسنات وتصفية الحسابات والانتصار للذات
لا تخلو خطبة دوماً من التأكيد على المنهج الشرعي والأدب النبوي في الدعوة والتعامل مع المخالف أياً كان.
هذا عن إمامته.
أما ولايته الجديدة وتعيينه من قبل خادم الحرمين الشريفين رئيساً عاماً لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي فهو استشعار وتقدير من ولاة أمرنا حفظهم الله بمكانة معالي الشيخ عبدالرحمن السديس ودوره الرئيس في خدمة الدعوة إلى الله في الداخل والخارج عبر جولاته وزياراته للمسلمين في عموم العالم.
أمام معالي الشيخ عبدالرحمن السديس ملفات عديدة بتطلعات كثيرة يرتقبها ولاة أمرنا لما يقيمونه حفظهم الله من رعاية واهتمام للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة.
وما تحظى به من اهتمام بالغ وإنفاق مستمر وعطاء لا ينقطع ومن هنا فإن المسؤولية كبرى والأمانة ليست سهلة إلا أنها لمستحق يستشعر قدرها ويدرك عظمها.
التوسعة الجديدة الكبرى التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين للمسجد الحرام والتي تعتبر الأكبر على مر التاريخ.
يتطلب معها أعمال موازية تتوافق مع حجم العمل والإنجاز والطموح.
فأعداد الحجاج والمعتمرين في تزايد وخدمتهم شرف هذه البلاد كبيرها وصغيرها.
وتوسعة المطاف التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين تشكل حدثاً تاريخياً بارزاً في هذا القرن وتسجل بمداد من ذهب في سجل أعمال وحسنات هذه البلاد وما شرفها الله به من خدمة الحرمين الشريفين.
المسجد النبوي الشريف هو الآخر يحتاج إلى مزيد من خطط التطوير تتفق مع التوسعات التي شهدها وإدخال مزيد من التقنيات الحديثة للمصلين والزوار.
إلا أن الأهم في نظري الحاجة هي إعداد آلية جديدة لاختيار الأئمة للمسجد الحرام والمسجد النبوي حيث لا يزال المسجد النبوي يحتاج إلى مزيد من الأئمة المتميزين.
والمؤكد أن بلادنا بمساجدها وحلقها وقراءها ليست عاجزة عن الدفع بأئمة وقراء جدد تضاف أسماؤهم إلى الأئمة البارزين الذين شرفوا بالإمامة بالمسجد الحرام والمسجد النبوي أمثال الشيخ عبدالعزيز بن صالح رحمه الله والشيخ علي جابر رحمه الله والصوت الندي الشجي الشيخ عبدالرحمن السديس وبقية الأئمة في المسجد الحرام.
وليس من اللائق في نظري أن تكون محاريب الحرمين مكاناً للتجارب من القراء والأئمة.
لقد وفقت الدولة أيَّما توفيق في اختيار فضيلتكم ومعاليكم قبل ثلاثين عاماً.
واليوم جاء الدور لتحسنوا الاختيار في أئمة يتلقون عنكم المنهج الشرعي وهذا الانضباط الدقيق وتلك الصورة المشرفة لإمام وخطيب الحرمين الشريفين.
أقول وأعلم الهموم المتزاحمة التي يدركها معالي الشيخ عبدالرحمن السديس بكل دقة ولكن التذكير بحق لمستحق.
دعوات لا تنقطع لإمام طالما لم يبخل عن الناس وعموم المسلمين بدعواته وابتهالاته أن يوفقه الله سبحانه في هذه المسؤولية والولاية والإمامة وأن يحقق الله على يديه تطلعات ولاة أمرنا حفظهم الله.
d-almushaweh@hotmail.com
فاكس: 014645999