أقرأ المقالات الاقتصادية التي يكتبها الدكتور علي بن طلال الجهني كل يوم ثلاثاء في جريدة الحياة، وهي مقالات جيدة تتصدى لقضايا عسيرة الهضم عندما تُكتب بلغة أكاديمية لكن الدكتور الجهني يكتبها بأسلوب جذاب يدخل تحت باب «السهل الممتنع». ومن حسن الحظ أن الكثير من هذه المقالات تصبح مواد لكتاب ممتع ومفيد يجمعه المؤلف، وقد أصدر الدكتور الجهني عدداً من هذه الكتب.
في مقالته الأخيرة المنشورة يوم الثلاثاء الماضي كان الدكتور الجهني يتحدث عما يُعرف بـ»غطاء الذهب»، وليس موضوعنا الآن في مقالتي هذه هو «غطاء الذهب»، لكنني سأقفز مباشرة إلى عبارة جاءت في ثنايا مقال الدكتور الجهني عندما قال: «ومن المعروف أن القطاع الخاص الحقيقي وفي كل مكان أعلى كفاءة من الحكومات في توفير ما يراد توفيره من سلع وخدمات».
وكاقتصادي، أتفق بشكل عام مع عبارة الدكتور الجهني رغم علمي بأن هناك جدلاً كبيراً حول مدى دقة هذا الاستنتاج وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالرؤى التي يطرحها بعض غلاة الاقتصاديين المحافظين. لكن ما استوقفني هو وصف الكاتب للقطاع الخاص (الذي يرى ان أداءه أكثر كفاءة من اداء الحكومات) بـ»القطاع الخاص الحقيقي».
هنا، سيرد إلى ذهن الكثيرين - وخصوصاً الاقتصاديين - مصطلحات مثل «الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي» و»الناتج المحلي الإجمالي الاسمي» وغير ذلك، لكن الكاتب لا يقصد شيئاً من هذا. إنه، فيما يبدو، يريد فقط ان يفرق بين نوعين من أنواع القطاع الخاص: أولهما قطاع خاص قائم على أسس اقتصادية سليمة وفي بيئة تنظيمية وقانونية عامة سليمة (يعني ببساطة: قطاع خاص بـ»حق وحقيق»)، وثانيهما قطاع خاص فوضوي طفيلي يعمل في بيئة تنظيمية وقانونية عامة تعج بالفساد الذي تزكم رائحته الأنوف.
ولأن الفقرة السابقة، من أولها إلى آخرها، هي من عندي فالدكتور الجهني ليس مسؤولاً عنها إذا كان ما يقصده شيئاً غير هذا. ولكن في جميع الأحوال ننتهي إلى الاتفاق بأن القطاع الخاص «الحقيقي» أكثر كفاءة من القطاع الحكومي، ونترك تفسير كلمة «الحقيقي» لكل شخص بحسب ما يراه مناسباً.
بعد ذلك تتوالى أسئلة على شاكلة: ما مدى توافر قطاع خاص «حقيقي»؟ هل بوسع أي قطاع خاص في أي مكان أن ينجو من آفات الغش والاحتكار وتقديم (الرشاوي) وغير ذلك من الآفات التي يُتهم القطاع الخاص بها ليس الآن فقط ولكن منذ أن عرف الإنسان التبادل التجاري الفردي والجماعي؟
أعتقد ان ذلك يتوقف على وجود بيئة قانونية تنظيمية سليمة وكل ما يتبعها ويرتبط بها من تطبيقات سليمة.. فعندما توجد مثل تلك البيئة تتجلى روعة أداء القطاع الخاص التي لا تصطدم بمفاهيم العدالة الاجتماعية.. وعندما تغيب يتغوَّل القطاع الخاص ويصبح وحشاً لا يبقي ولا يذر.
alhumaid3@gmail.comص.ب 105727 - رمز بريدي 11656 - الرياض