هناك علاقة طردية بين ضخامة سكان المدن وانتشار الجرائم، وبالذات جرائم السرقات والسطو على الممتلكات وسرقة السيارات وغيرها؛ فكلما زادت أعداد سكان المدن زادت في المقابل معدلات الجرائم وبالذات الجرائم المنظمة، وأصبح ضبط الأمن أكثر صعوبة.والعكس صحيح؛ لذلك تسعى الدول الحديثة إلى الحد من تضخم المدن، وتسييجها بقوانين ومُحفزات تهدف إلى الحفاظ على أعداد سكانها تحت سقف معين، بحيث يمكن عملياً السيطرة على الامن فيها.
سمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز نائب وزير الداخلية أشار في أحد تصريحاته للصحفيين إلى ارتباط معدلات زيادة الجريمة بالزيادة المطردة في عدد السكان في المدن؛ يقول سموه: (إن كثرة السرقات أو غيرها من الحوادث يتصاعد مع زيادة عدد السكان والمقيمين، فقبل عشر سنوات ليس مثل الآن، والجهود مبذولة لتغطية كل الأماكن بالتواجد الأمني الملائم، ولا نستطيع أن نقول الآن إننا غطينا كل شيء ولكن الجهد مبذول سواء من ناحية الأفراد أو الآليات أو الإنذار المبكر).
وغني عن القول: إن مكافحة أية ظاهرة سلبية تتم أولاً بالاعتراف بوجودها. وثانياً بتوفير الحوافز بأنواعها، سلبية كانت - (العقاب أو الردع) - أو إيجابية -(علاج المسببات ومحاصرتها) -؛ وبتظافر هذه الحوافز بأنواعها يجري محاصرة مثل هذه الظواهر، أو على الأقل الحد منها ومنع تفاقمها؛ فلا يمكن أن يكفي العقاب والردع علاجاً لهذه الظاهرة إذا كانت مُسبباتها متفشية؛ لذلك يجب أن نُفعّل العقاب، ونعمل في الوقت ذاته، وبشكل متواز، على محاصرة المسببات والبواعث، وأهمها تضخُّم المدن وتزايد عدد السكان.
هناك حقيقة ديمغرافية تقول: إن العالم المعاصر يتجه ليكون (حضرياً) أكثر منه (ريفياً)، بينما كان سكان الريف في السابق يُشكلون النسبة الأعلى من السكان في جميع دول العالم تقريباً؛ وهذا يعني أن هذه الظاهرة ليست سعودية فحسب وإنما عالمية؛ وأمام هذه الظاهرة لجأت السلطات في العالم المتحضر إلى الإجراءات القانونية للحد من تضخم المدن، بتشجيع وتحفيز قيام النشــاطات الاقتصــــادية خارجها (المدن الصغـــــيرة والأريـــاف). لمحاصرة زيادة عدد السكان والحد من هجرة السكان إلى المدن الكبيرة أو المتضخمة السكان، وتشجيع الهجرة المعاكسة من المدن الكبرى إلى المدن الصغرى و الأرياف. بتقديم حوافز لسكّان المدينة لتشجيعهم على العمل في المناطقِ الريفية والاستقرارِ فيها.
النقطة الثانية التي لا بد أن نتطرق إليها عند حديثنا عن معالجة ازدياد ظاهرة السرقة في المدن الكبرى، أو على الأقل محاصرتها ومنعها من التفاقم، الاتجاه إلى التكنولوجيا والكاميرات وأنظمة المراقبة والتحكم المصورة، وتكثيف وجودها بحيث تحل محل (العسس) في السابق؛كما هو العمل في كثير من مدن العالم متضخمة السكان (لندن مثلاً)، حيث إن انتشار هذه الكاميرات في الأحياء كان لها دور محوري في حفظ الامن ومكافحة الجريمة، والتضييق على حركة عصابات السطو على الممتلكات الخاصة، وقدرتهم على التخفي والحركة والهرب عند ارتكاب الجرائم؛ والسؤال الذي يطرحه السياق : لماذا لا تكون هذه الكاميرات ثابتاً من ثوابت خدمات شوارع الأحياء في المدن الكبرى كالإنارة والسفلتة مثلاً، بحيث تكون حتى الشوارع الداخلية في الأحياء مراقبة بهذه الكاميرات طوال اليوم ليلاً ونهاراً، كما هو العمل في المدن الكبرى في العالم المتحضر.
ومع ذلك ستبقى الجريمة بمختلف أنواعها؛ لأن اجتثاثها بالكامل مستحيل، غير أن محاصرتها ومنعها من التفاقم سواء من خلال المراقبة والمنع قبل وقوع الجريمة، أو من خلال الردع والعقاب بعد وقوع الجريمة، هما الحدان اللذان يجب أن نصب داخلهما جهودنا.
إلى اللقاء