حثّ خادم الحرمين الشريفين الدوائر الحكومية بالتحوّل للمعاملات الإليكترونية من أجل تسهيل مهمّة الإجراءات على المواطن من جهة، وزيادة الشفافية وتسهيل الرقابة من جهة أخرى. ومضى على المشروع أكثر من ثلاث سنوات وهو يحقق نجاحات في مجالات معيّنة وإخفاقات في مجالات
أخرى. كما تفاوت الاهتمام بالمواقع من جهة حكومية لأخرى. وللتذكير فقط فهذه المواقع يمكن الدخول لها من كافة أنحاء العالم، ولذلك فهي واجهات حكومية عالمية تعكس واقعنا الإداري والإليكتروني، ولذلك وجب علينا أن نجعلها في أفضل صورة من حيث الشكل والمحتوى.
ولكن وللأسف لا يحصل ذلك دائماً، ومع أنّ كثيراً من الجهات الحكومية لديها إدارات حاسب آلي بها موظفون على أعلى المراتب إلاّ أنّ بعضها، إن لم يكن كثيراً منها، أوكلت مهمة تصميم مواقعها لجهات خارجية بمبالغ حققت أحلام أصحاب أهل الشركات ولم ترق لطموح مسئولي الدوائر والوزارات. وبدأ تطبيق النظم في فترة قصيرة دون فترة تجريب للتأكد من النجاح، وقلّة الأعطال، ومدى تفاعلية النظام مع المواطن، فبعض الدوائر لم تقدر حاجاتها الفعلية، ولم تجر دراسة مستوفاة لحجم وطبيعة احتياجاتها، ولذلك تتكرّر الأعطال على مواقعها، وتدنّت تصاميم وبرامج مهامها التفاعلية إلى مستويات تجعلها لا يفي بالغرض. وبعضها الآخر ارتبطت بسيرفرات لا تكفي لمراجعيها وقت الذروة وهو الوقت الذي يكون المراجع فيه أحوج ما يكون لهذه الخدمات.
وبقدرة قادر، وبعد مضي فترة من الزمن، تحوّلت الصفحات الأولى لهذه لواجهات دعائية بحتة، وبدت وكأنّ أهم مهامها وهي الأمور التي تتعلّق بخدمة المواطن أمر ثانوي، فبينما كانت نيّة خادم الحرمين الشريفين التسهيل على المواطنين في تعاملاتهم، والقضاء على حاجة المواطن بالذهاب للجهات المعنية، وتكبّد عناء المراجعة، وتخفيف الازدحام في الشوارع، وتقليل الاعتماد على الأوراق، إلاّ أنّ بعض الجهات تفهّمت ذلك بشكل جزئي، وارتأت لنفسها أهدافاً جانبية أخرى غير ما هدف له النظام. فالمواقع ليست للدعاية للمسئولين، أو نشر أدبيات دعائية بشكل مُبالغ فيها. فصور المسئولين في جهة ما تملأ الشاشة، وتتوسّط صفحات البوابة الإليكترونية الرئيسة: استقبالات، وتصريحات، وأخبار تحدث يومياً، رغم كون الكثير منها تافه من حيث الأهمية، بينما لا تحظى خدمات المواطن بعناية مماثلة من حيث التحديث، والصيانة. فبدت صفحات البوابات وكأنما هي صحف يومية همُّها تلميع صورة المسئول، بينما تجد المعلومات المهمة والخدمات التفاعلية في ثنايا الصفحات الداخلية، تبحث بصعوبة عنها حتى تجدها بشقّ الأنفس. ولكثير من الدوائر بريد إليكتروني للتواصل يستقبل فقط ولا يرد.
وبالرغم من مواقع الجهات الرسمية الإليكترونية لدينا تشاهد من خارج المملكة، إلاّ أنّ محتوى البعض منها قد لا يرتقي للاهتمام الذي حدّدته الدولة لها، فمحتوى بعض المواقع من حيث التصميم، واللغة، والمحتوى متوسط أو أقل. ورغم كونها رسمية وحكومية إلاّ أنها تكتظ بصور، ورسومات بيانية افتراضية، وبها صور أسهم صاعدة وأخرى هابطة لا هدف فعلياً لها ألاّ كونها جزءاً من الديكور المبتذل، وقد ينظر لها على أنها نوع من ممارسة التضليل والتوهيم من مراجع الموقع، وهي توحي بعدم الجدية وعدم الاكتراث بأهمية الموقع. وهذا ما لا تجده في مواقع الدول المتقدمة، حيث توجد صورة صغيرة منزوية للمسئول بهدف معرفة شكله فقط بينما تتصدّر الخدمات المواقع المهمة في الصفحة. ولا يوجد في الصفحة إلاّ ما هو مفيد، ورصين، وهادف فقط، لا صور ولا أشكال هندسية وهمية.
والأمر الآخر المهم هو مستوى بنية الاتصالات لدينا، فرغم كلفتها الكبيرة، وارتفاع أسعار خدماتها لم ترتق لمستوى الحكومة الإليكترونية، وهي كثيرة الانقطاعات، والأعطال، ولا يمكن أحياناً الوثوق بها، وللأسف فالمواطن وحده هو من يتحمّل تبعات هذه الانقطاعات. فلو حدث مثلاً وحاولت تسديد رسوم ما وانقطعت الشبكة، وتجاوزت لهذا السبب التاريخ الأخير للسداد، فإنّ الجهة المعنيّة لا تمدّد موعد السداد بل تدفعك الغرامة كاملة. فعلى سبيل المثال، وفي أحيان كثيرة تتعرّض مواقع التقديم على الوظائف للعطل بالرغم من وجود تاريخ نهائي للتقديم وتنقضي المدة والموقع أو الخدمة معطّل أو مزدحم، وعندما يذهب المواطن لتقديم أوراقه باليد لا يقبلها الموظف منه، حتى أنّ بعض المواطنين تسوّل له نفسه في حالات معيّنة أنّ الأعطال مفتعلة وبنيّة مسبقة.
والحكومة، ممثلة بخادم الحرمين الشريفين أغدقت الأموال على هذه الدوائر حتى لا يكون لها أي عذر في التقصير في خدمة المواطن، وقدمت جميع الأجهزة للدولة قوائم مشتريات بأحدث وأغلى الشبكات والأجهزة، ولكن الأداء أحياناً لا يرقى لمستوى المصاريف. لأنّ بعض الجهات وللأسف تعاملت مع مواقعها الإليكترونية بمنطق بيروقراطيتها المتجذّر في التعامل مع التواصل مع المواطن بشكل انتقائي بالوسائل غير الإليكترونية. فكما أنّ قليلاً من المسئولين من يرد على هاتفه حتى ولو كان يتسلّى بكمبيوتره أو جهاز الأيوفون أو يسولف مع زميل، فالمواقع لا ترد على استفسارات المواطنين. وبينما هو معروف أنّ من ميزات السكرتير هي القدرة على تصريف المراجعين بالرغم من وجود أحدث أجهزة السنترالات والتلفون، أصبح من مهمة خانات الاستفسار في الموقع تصريف المواطن أيضا.
من أهم المجالات التي حقق فيها النظام نجاحات هي تحصيل الرسوم والمخالفات، حيث تجد أنّ صيانة النظام على أفضل ما يكون، وصمم بطريقة إنك تدفع بسهولة ولكنك لا تستطيع استرجاع ما دفعت، أو الحصول على حقوقك. فإرجاع الحقوق يكون بمعاريض ورقية ومراجعات دونها خرت القتاد، تدفع إليكترونياً وتسترد حقك “رجلياً” وورقياً.. ففي أحد المواقع المتعلّقة بدفع الرسوم لا تستطيع أن تعطي أمر طباعة للإيصال أكثر من مرة، ولو حصل وتعطّلت الطابعة، فإنك لن تستطيع العودة إلى خطوة ما قبل الطبع مرة ثانية، ويتوجّب عليك أن تذهب لمسئول في تلك الجهة لتأكيد أنك دفعت. ولو أخطأت في تعبئة خانة من خانات الأرقام التسلسلية الطويلة، توجب عليك إعادة العملية من أولها، وكأنّ وقت المواطن غير مهم. ولذلك فبعض المواطنين يعتقد أنّ مراجعة المكتب أسهل من مكابدة برنامج كمبيوتر متخلّف.
وإذا أردت أن تتصل ببنك أو شركة الاتصالات أو الكهرباء لتستفسر عن حق لك فستصاب بالدوار من التنقل من التلقائي من رقم لآخر وفي النهاية تخرج مثل الأطرش من الزفة، بعد أن سمعت دعايات المنتجات السابقة والحالية والمستقبلية للمؤسسة. وبعد جهد جهيد تسمع تسجيل: “وللمساعدة أضغط على الصفر” فتتنفس الصعداء لاعتقادك بقرب الفرج، وأن بشر ما سيرد عليك لتفاجأ أنّ من خلف صفر المساعدة غير موجود، أو أنّ الخط انقطع وعليك أن تبدأ من جديد. وبما أنّ هذه الجهات عادة جهات خاصة أو هيئات حكومية فإنّ الرقابة عليها ضعيفة، وقلّما تتعرّض للمساءلة. فقد يجدر بنا النظر بتخصيص هيئة رقابة إدارية خاصة بالهيئات الحكومية التي لا تخضع للأنظمة الحكومية التي تخضع لها الوزارات. فالشركات تعاقب المواطنين في حال تأخر السداد، ولكنها لا تعوّضهم في حال الأعطال أو حالات إهمال موظفيها لهم، أو عن الأضرار الناجمة عن رداءة خدماتها.
الآن ولله الحمد لدينا هيئة لمكافحة الفساد غارقة حتى رأسها في مسئولية ملاحقة الفساد وتحديد مواقعه، ولها نجاحات تجعلنا نتفاءل بإنجازاتها، وقد نحتاج هيئة أخرى تسمّى “هيئة التقصير” مهمّتها ملاحقة المقصّرين في تحمُّل مسئولياتهم، سواء تعلّق الأمر بتعطيل المعاملات، أو تجاهل الخطابات، أو عدم الرد على الاتصالات. فعندما تتصل بمسئول ولا يرد، ثم تعاود الاتصال وتسمع نغمة أنّ الخط مشغول، فهذا ليس فيه تقصير وإهمال كبيرين، بل وإهانة للمواطن. وكذلك عندما تضع الجهة بريداً إليكترونياً للاستعلام، ثم يأتي الموظف المسئول ويحذف جميع الرسائل دون أن يرد على جزء منها. والله ولي التوفيق
latifmohammed@hotmail.comTwitter @drmalabdullatif