(الأيتام والمعاقون والمرضى والمسنون هم من ستتوجه لهم مشاريعي الخيرية فيما بقي من عمري) هذا ما قاله رجل الأعمال المعروف د ناصر بن إبراهيم الرشيد وهو يؤسس قبل سنوات معدودة لأكبر مركز لرعاية الأيتام في منطقة الشرق الأوسط.. كنت أظن حينها أن هذا التوجه الرائد والرائع سيلقى كل الدعم والعون من قبل الوزارات المعنية المختلفة والأقسام العلمية المتخصصة في جامعاتنا السعودية فهو يفتح أفقا جديدا في الوقف الخيري المؤسس والمخصص لفئة عزيزة على الجميع، ويعيد للأذهان ما نقرأ عنه في كتب التاريخ من حرص شديد في إيقاف الدور لأهل العوز وطلبة العلم والمرضى والمحتاجين، كما أننا مجتمعياً كما هو معروف حين نرعى هذه الفئات الضعيفة هذا بماله وذاك بجاهه والأخر بعلمه والرابع بمركزه من خلال منصبه والخامس بشخصه وجهده والسادس بدعائه وتضرعه و... نربط ونرتبط بسبب قوي من أسباب رحمة الله وحفظه وتأييده لنا (... هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم).
لقد زرت قبل أشهر معدودة مركز الدكتور ناصر الرشيد للأيتام واطلعت على مبانيه المكتملة وتجهيزاته الرائعة وأثاثه المتميز ومرافقه المكتملة وتقنياته الحديثة عالية الجودة، ولكن للأسف الشديد الاستفادة منه ضعيفة بل شبه معدومة!!
كنت أمني نفسي وأنا أمر كل صباح من جوار مبني المركز وهو شبه معطل، مع أنه استلم من قبل وزارة الشئون الاجتماعية منذ فترة ليست بالقصيرة، أمنياتها بغد أجمل، وصباح أكمل، وفجر صادق موعود لأيتام لا يعرفون أين هم من خارطة الكيانات المتقاطعة الصغيرة والكبيرة بدأ من الأسرة وانتهاء بالعام من حولهم، هذا أنا فكيف بأصحاب الشأن!!
لقد ساقني هذا المشهد اليومي المؤلم لهذا المبني الرمز في هذه المنطقة الغالية القابعة شمال أرض بلاد الحرمين المملكة العربية السعودية التي يتوخى أن تكون رائدة في العناية والاهتمام والرعاية بمثل هذه المشاريع الإنسانية المتميزة.. ساقني ما رأيت أن أحرص على تقصي الحقيقة في هذا الحلم المؤد، وكانت وللأسف الشديد أمر من المر.
إن الأمر بإيجاز شديد هو في عدم وجود كوادر إدارية وفنية وأكاديمية وتدريبية متخصصة تستطيع القيام بتشغيل هذا المنجز الإنساني الرائع!! ووزارة الشئون الاجتماعية -كما نقل لي- عاجزة عن الوفاء بمتطلبات هذا الصرح فقرار توظيف أهل العلم والدربة والدراية سواء في الاجتماع أو النفس أو الإرشاد والتوجيه الديني ليس بيدها بل لدى وزارة الخدمة المدنية التي بدورها تلقي التبعة على وزارة المالية فهي من يحدد عدد الوظائف والمراتب والتخصصات ويتعمدها سنوياً ويبلغ بها الوزارات المعنية.
أعجب شخصياً للتناقض الرهيب في سلم ترتيب أولويات التوظيف فوزارة مثل الشئون الاجتماعية تعد في العالم المتقدم من أهم الوزارات ولها ارتباط مباشرة بشريحة شعبية عريضة ذات احتياجات متعددة والتزامات مختلفة، كما أنني أحزن لعدم الاكتراث بمثل هذه المشاريع التي تتوجه لفئة مجهولة الهوية على الحقيقة وربما صارت يوماً ما قنابل موقوتة تتلاعب بها الأهواء وتحركها النزوات وتفعل بها الأحداث والنوازل أفعالها المشينة لا سمح الله.
إن أمثال هؤلاء بحاجة ماسة إلى المتخصص في علم الاجتماع والطب النفسي والإرشاد الأسري والديني و... وأؤكد على كلمة “المتخصص” وليس من يقوم بأداء هذا الدور بصورة تطوعية أو حتى رسمية لسد الحاجة القائمة ولشغل الوظيفة الموجودة وهو يحمل شهادة الثانوية وربما أقل، ولم يذق بعد طعم لذة العمل من أجل سلامة وسعادة هذه الفئة!!.. ومع أن الجامعات السعودية تخرج هؤلاء المتخصصين وبأعداد كبيرة تفوق الاحتياج بكثير.. ومع أن الاحتياج لهؤلاء الكوادر المتعلمة قائم وملح، إلا أن المشكلة هي في الأساس مشكلة إدارية وأسطوانة مكررة “عدم وجود وظائف” وربما كان هذا القرار الصارم والقاتل في آن، قرار موظف غير متخصص، كانت قراءته للواقع قراءة ليست دقيقة ولا هي استشرافية واعية وللأسف الشديد وهذا بلا شك سبب رئيس من أسباب البطالة الحقيقية في بلادي لا المقنعة التي يتخوف منها، والنار من مستصغر الشرر.
إن ما حدث في عدد من الدور في المملكة وما قد سيحدث لا سمح الله لا يمكن إلقاء التبعة فيه على قاطني هذه الكيانات التي يفترض أن تكون مؤسسات تربية وتثقيف وتوعية بل علينا نحن في عدم إيجاد البيئة الحاضنة التي تقوم بدور البيت والأسرة أو على الأقل قريباً منه، ومركز الدكتور ناصر الرشيد يوفر ويهيئ للصادق الأمين أن يكون سبباً في تأسيس وتكوين أسر وليست أسرة واحدة داخل هذا المشروع الحضاري الإنساني المميز.
إن الالتفات للمشاريع التي تتجه لهذه الفئة على وجه الخصوص واجب شرعي أولاً ووطني ثانياً وعربي ثالثاً وإنساني رابعاً، لذا أعتقد أن من الأهمية بمكان نقل صوت هذه الفئة لصاحب القرار لعل التفاتة صادقة تنقلهم إلى دارهم التي كانوا يحلمون بها وصارت اليوم حقيقة ماثلة أمام أعينهم كالشمس في رابعة النهار ولكنهم لم يروا نورها بعد!!
إنني أنقل صوت هؤلاء الأعزاء إلى متخذي القرار وأهيب بأصحاب المعالي الوزراء أن يكونوا قلباً محباً وحضناً دافئاً وملاذاً آمناً لمن حُرم شيئاً من النعيم الذي نرفل فيه نحن وفلذات أكبادنا ونتقلب فيه صباح مساء، دمتم بخير وتقبلوا جميعاً صادق الود وإلى لقاء والسلام.