طالب مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، في دورته غير العادية، السبت، إدارة القمر الصناعي العربي (عرب سات)، والشركة المصرية للأقمار الصناعية (نايل سات)، اتخاذ ما يلزم لوقف بث القنوات الفضائية السورية الرسمية وغير الرسمية. هذا القرار هو أقل ما يمكن أن تعمله الجامعة العربية لمحاصرة الإعلام السوري، والتضييق عليه؛ وفي الوقت نفسه إرسال رسائل واضحة لجميع الفضائيات عربية أو غير عربية، وبالذات دكاكين (الفضائيات اللبنانية)، أن الاتجار بدماء الشعوب، واستغلال (الحرية الإعلامية) لتمرير أجندات لا علاقة لها بقيم الإنسان والإنسانية لن يترك دونما محاسبة وعقاب.
أحد الزملاء الإعلاميين قلَّل من القرار بالقول: إن تأثير الإعلام السوري في منتهى المحدودية، وقرار كهذا قد يُعطي الإعلام السوري قيمة لا يستحقها، فوجوده مثل عدمه، فهو لا يعدو أن يكون إعلاماً مباشراً كسيحاً لا يقنع حتى عجائز ريف دمشق؛ وهذا صحيح؛ فهو إعلام مُهترئ، لا علاقة له بالعصر؛ عندما تتابعه تتذكّر إعلام حقبة المنظومة السوفييتية، غير أن مثل هذا القرار يهدف في تقديري إلى التضييق على النظام السوري، ويصب في خانة محاصرته سياسياً، وإشعاره بأنه أصبح منبوذاً أخلاقياً؛ وفي الوقت ذاته انتصار لأطفال (مجزرة الحولة) وشهدائها، أمام محاولات الإعلام السوري تبرئة النظام من مسؤوليتها.
وطالما أننا نتحدث عن عرب سات والنايل سات، فلا بد من أن نتطرق إلى (غرق) هاتين المنشأتين العربيتين في البحث عن الربح وزيادة المبيعات، بغض النظر عن رسالة الإعلام الأخلاقية وشرف المهنة، ناهيك عن أن هاتين المنظمتين أُنشِئَتا أساساً لخدمة القضايا العربية، وحماية الهوية العربية (أولاً) أو هكذا يقول ميثاق تأسيسهما، وكذلك ما نصت عليه (مبادئ تنظيم البث الفضائي العربي) ؛ فكان لا بد أن تلتزما بهذه الثوابت قبل البحث عن مزيد من العقود وارتفاع الدخل.. خذ مثلاً قنوات (العدو الفارسي) الفضائية، فهي تتخذ من هاتين المنظمتين (مطية) لإثارة النعرات الطائفية في منطقتنا، والدعاية للمشروع التوسعي الفارسي، والتمكين له، وخدمته إعلامياً؛ وغني عن القول إن (التحريض الطائفي) هو من (المحرّمات) في كل الأعراف والقوانين الإعلامية في جميع أنحاء العالم، حتى تلك التي تعتبر الحرية الإعلامية (مقدسة)؛ فمثل هذه الممارسات تعتبر انتهاكًا صارخاً (للعهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية) الذي يحظر في مادتيه (19) و(20) أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية من شأنها أن تُشكل تحريضاً على العداوة أو العنف؛ وهذا ما جعل مملكة البحرين تعترض على ممارسات عرب سات، وتعلن انسحاب قنواتها من عرب سات احتجاجاً على تمرير هذه الحرب الطائفية على البحرين والمملكة من قبل العدو الفارسي من خلال القمر العربي؛ ونحن بالمناسبة نقف بكل قوة مع قرار البحرين؛ فإذا كان مجلس الجامعة قد طلب إيقاف بث القنوات الفضائية السورية لأسباب محض سياسية، فلماذا سكت عن تصدير إثارة النعرات الطائفية وإشعال الشقاق بين المذاهب التي تمارسها الفضائيات الإيرانية على هذه المطية التي (يُفترض) أنها عربية، مع أن ما يمارسه الإيرانيون هو أخطر مما يمارسه السوريون؟
إنها دعوة صادقة للعاملين في هاتين المنشأتين، وبالذات في عرب سات، أن يعيدوا حساباتهم؛ فالإعلام اليوم، وبالذات الفضائي منه، أقوى من الجيوش؛ وليس بالمال وحده يبقى الإعلام.
إلى اللقاء