|
الجزيرة - د. حسن الشقطي:
خسر المؤشر خلال الثلاثين يوما الأخيرة خسارة ملحوظة وصلت إلى 716 نقطة ما يعادل 9.7%، وهي الخسارة الأعنف منذ بداية العام الماضي تقريبا .. وأعادت هذه الخسارة الجدل للسوق، هل هي خسارة كاستجابة للهبوط في البورصات العالمية أم استجابة للتراجع في أسعار النفط ؟ وهناك فريق لا يزال يتمسك بأن السوق غير معني بالمستجدات على الساحة العالمية، وأنه يخضع لأمور داخلية بحتة .. كما يوجد فريق ثالث يرى أن عدم تدخل أو مساندة المؤسسات المحلية صانعة السوق يعد أحد مسببات تدهور المؤشر .. وبالتالي فإن المحللين منقسمين حول هبوط المؤشر بين الاستجابة للمؤثرات الخارجية والمحلية. أما الأمر الأكثر أهمية، فهو علاوة الإصدار وعودتها لتصدر دائرة النقاش الاقتصادي، وخاصة مع طرح سهم الطيار بعلاوة إصدار، وبدء الترتيب لطرح السعودية للتموين بعلاوة أيضا، ليصل عدد الشركات المطروحة خلال السنوات الست الأخيرة بعلاوة إلى نحو 33 شركة تقريبا .. وهذه العلاوة مثار للجدل وخاصة أنها وصلت في بعض الشركات إلى عشرة أضعاف القيمة الاسمية .. فهل هناك ما يضمن أدائها الجيد ؟ وهل على الدوام ينجح الاكتتاب بها ؟
صناعة المؤشر
المؤشر يصنع محليا، وهذا لا ينطبق على المؤشر السعودي فقط، ولكن على مستوى كافة مؤشرات البورصات العالمية، إلا إن هذه الصناعة لا تنفي ارتباطه واستجابته للمستجدات على الساحة العالمية، وخاصة إذا كانت الدولة ترتبط بالعالم الخارجي استيرادا وتصديرا بقوة .. سواء للسلع أو لرؤوس الأموال والاستثمارات .. ورغم أن تاريخ المؤشر السعودي يؤكد على أنه كان لا يستجيب كثيرا للمؤثرات العالمية، وأن تأثيراته كانت محدودة، وأن صناعته تتم محليا بشكل كبير، وخاصة أن دوافع المضاربة للمساهمة في السوق كانت تفوق دوافع الاستثمار، إلا إنه مع ذلك ينبغي معرفة أن الاقتصاد السعودي يعتبر من الاقتصاديات المشبعة بالتفاعل مع السوق العالمي وبقوة .. فالمملكة مصدر رئيسي للنفط، وبالتالي، فهي تتأثر لأي تغير في أسعاره .. وأسعار النفط الأمريكي مثلا تراجعت خلال الشهر الأخير بنسبة تزيد عن 15% .. أيضا المملكة تستورد نحو 400 مليار ريال من العالم الخارجي، على رأسها الصين، وبالتالي فهي تتأثر بالنمو أو الركود في هذه الدول .. أما ما هو أهم، فإن للمملكة استثمارات وروابط مالية عميقة مع الولايات المتحدة وأوربا، وبالتالي فهي تتأثر بشدة بأي مستجدات ترتبط بهذه الاستثمارات .. واحتمالات خروج اليونان (وربما بعدها دول أخرى) من منطقة اليورو تلقى بظلالها على السوق السعودي بقوة سواء شئنا أم لم نشأ ..
باختصار، فإن العامل الخارجي الآن يؤثر ومؤثر على صناعة المؤشر السعودي، رغم أن الصناعة المحلية إن تدخلت بثقلها يمكن أن تعزله عن هذه المؤثرات، إلا إن هناك حدودا لقدرة الصناع المحليين للمؤشر على عزله عن الاستجابة للمؤثرات العالمية، وخاصة إذا ارتبطت هذه المؤثرات بالنفط.
ترتيبات علاوات الإصدار
آخر شركة طرحت بالسوق بعلاوة هي شركة الطيار، بسعر57 ريالا للسهم .. وخلال هذه الأيام يتم ترتيب طرح سهم السعودية للتموين، والتي يتم ترتيب عملية بناء سجل الأوامر الخاصة بها، على أن يتم تحديد سعر الطرح خلال أيام .. فالشركة التي ترغب في الطرح بعلاوة إصدار تدخل في ترتيب إصدار نشرة أولية بدون سعر طرح، بغرض طرحها على المستثمرين من المؤسسات في عملية بناء سجل أوامر الاكتتاب، على أن يتم فيما بعد نشر نشرة إصدار نهائية متضمنة سعر الطرح .. بمعنى أن سعر الطرح يتم تحديده بناء على مفاوضات للشركة مع المكتتبين فيها من المؤسسات، وهنا تتداخل قوى العرض والطلب ولكنها ليس قوى سوق فقط، ولكن بالترتيب والتفاوض .. فنعم وبالفعل تلعب قوة الشركة ونشاطها وأرباحها ومستقبلها دورا هاما في قبول أو رفض المكتتبين من المؤسسات لعلاوة مرتفعة أم منخفضة، إلا إن الواقع يؤكد أن الترتيبات والمفاوضات تلعب دورا أكبر في قبول هؤلاء المكتتبين لقيمة علاوة معينة.
وينبغي أن نعرف أن كبر وزيادة عدد الجهات أو المؤسسات أو الصناديق المالية المدعوة للاكتتاب تلعب دورها في قبول السعر الذي تبتغيه الشركة التي ستطرح أسهمها للاكتتاب، لأنهم جميعا يعلمون أن رفض بعضهم لا يمثل نهاية المطاف، فيوجد كثيرون يمكن أن يقبلوا .. بان العلاوة تحديدها يكون التفاوض بين البائع للأسهم والمكتتبين فيها؛ لذلك، فإن نجاح أي شركة في الترتيب مع مكتتب رئيسي وحيد أو أكثر يمكن أن يدخل المؤسسات الأخرى في منافسة لقبول علاوات إصدار أعلى .. أي أن الآلية الحالية لبناء سجل أوامر الاكتتاب توجد نوع من المنافسة بين المؤسسات المكتتبة تجعلها تقبل علاوات إصدار قد تكون مرتفعة .. ثم إن الجميع يعلم أن السهم سيدرج بالسوق ويمكن بسهولة أن يحقق نسبة صعود بصرف النظر عن الأداء المالي للشركة نتيجة المضاربات القوية عليه في أيامه الأولى.
وهناك عنصر جديد بدأ يُلمح في دراسات الجدوى للشركات المساهمة الجديدة (خلال السنتين الأخيرتين تحديدا) المفترض أن تطرح في اكتتاب عام، وهو تركيز المؤسسين على أنهم سيحصلون على ربح من علاوة الإصدار، وكثير من مؤسسي هذه الشركات يعتبرون أن نجاح تأسيس شركاتهم في سنواتها الأولى مرتبط بعلاوة الإصدار التي سيسعون للحصول عليها.
أسهم علاوة الإصدار .. غير مخيفة للمؤسسات المكتتبة
البعض يعتقد أن الأسهم التي تسعى شركاتها لطرحها بعلاوة إصدار يعتبر الاكتتاب فيها مخيفا أو مقلقا للمؤسسات المكتتبة، وخاصة لو كان أداؤها المالي مشكوكا فيه .. ولكني أعتقد أن المؤسسات المكتتبة تتهافت وتتنافس للحصول على نصيب من كعكة كل شركة يتم طرحها بالسوق بصرف النظر عن الأداء المالي لها .. فقد تراجع عدد الشركات المطروحة كثيرا عنه بالسنوات السابقة، وبالتالي فإن المؤسسات المالية المكتتبة تواجه مصيرا ماليا صعبا في حد ذاتها، وكثير منها بدأت تخرج من السوق وتعرضت للتصفية، نظرا لضعف إقبال الأفراد المتداولين عليها، وتفضيل شركات البنوك المالية أي أن هذه المؤسسات المالية منقسمة فيما بينها إلى قسمين، شركات خاصة وشركات تنتمي للبنوك وبالطبع شركات البنوك أقوى ..وهذا الانقسام أيضا يصب في مصلحة الشركات التي تسعى لفرض علاوة إصدار تقبلها هذه المؤسسات..وحتى لو افترضنا أن هيئة السوق تراجع ولها معايير لقبول هذه العلاوة، إلا أن الأساس هو وجود المشترين الذين يقبلون الاكتتاب في السهم قبل طرحه على الأفراد.
علاوة الإصدار .. والمؤشر
خلال السنوات الأخيرة تخلص المؤشر من كافة فقاعاته وأصبح خالصا ويشار إلى أنه يعمل عند مستوى يقل عن المستوى العادل حاليا .. إلا أنه مع ذلك، فإن كثيرا من الدراسات تؤكد أن هناك مناطق تضخم ببعض الأسهم والقطاعات، وخاصة التي طرحت بعلاوة إصدار .. وقطاع التأمين يأتي على رأسها .. وبالتالي، فإن علاوة الإصدار تلعب دورا سلبيا في المؤشر بشكل أو بآخر .. وينبغي أن نعلم أن كثرة الجدل والضغوط الإعلامية حول علاوة الإصدار قد حجمت قيمتها كثيرا خلال العامين الأخيرين، مقارنة بقيم كبيرة ومبالغ فيها عندما ظهرت علاوة الإصدار على السطح في 2006 و2007م.