|
الجزيرة - نواف المتعب:
أوضح الخبير القانوني والمُحكِّم المعتمد د. محمد بن عبد العزيز الجرباء أن الحاجة ماسة أن يكون لهيئة الخبراء بمجلس الوزراء كادرٌ قانوني خاص يمكن للهيئة استقطاب الكفاءات القانونية التي تحتاجها، وذلك بهدف تأصيل القواعد النظامية بما يتوافق مع المنهج الثابت الذي سارت عليه المملكة منذ توحيدها على يد المؤسس.
مضيفاً أن القيادة الحكيمة لا تتوانى وبشكل دائم على مواكبة متطلبات تطوير الأنظمة التي يحتاجها المجتمع وذلك في مدد وجيزة مقارنة بتأخُّرها في دول العالم المختلفة ومنها الدول المتقدمة، ومن هذه المواكبة الاهتمام عند إعداد التوصية اللازمة بتطوير الشأن القضائي والتي يأتي من ضمنها نظام التحكيم.
وأضاف الدكتور الجرباء عبر الجزيرة أن الحاجة ظهرت من الواقع العملي لتطوير نظام التحكيم وقامت السلطة التنظيمية (التشريعية) من خلال عملها الدؤوب إلى أن صدر المرسوم الملكي رقم (م/43) وتاريخ 24/5/1433 هـ المبني على قرار مجلس الوزراء رقم (156) وتاريخ 17/5/1433هـ بإصدار نظام التحكيم الجديد والذي يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية السمحة.
وأشار إلى أن نظام التحكيم الجديد يتيح لمن لديهم نزاعات تجارية أن يتم حلها عبر هذا النظام دون الحاجة إلى البحث عن المراكز التحكيمية الأخرى مثل غرفة التجارة في باريس (ICC) أو محكمة لندن الدولية (LCIA) أو غيرها , خصوصاً إذا كان أطراف القضية سعوديين أو سعوديين وأجانب، ذلك أن النظام الجديد جاء متوافقاً مع القواعد الدولية في التحكيم مثل قواعد الينوسترال (UNCITRAL ARBITRATION ROULES) قواعد التحكيم الصادرة من لجنة قانون التجارة الدولية, وكذلك مع القانون النوذجي Model Law , ومتفقاً مع أحكام شريعة الإسلام السمحة.
ويضيف عن أهم الملامح التي جاء بها النظام الجديد فقد عرف النظام المحكمة المختصة أنها صاحبة الولاية نظاماً بالفصل في المنازعات التي اتفق على التحكيم فيها لأن موضوع النزاع التحكيمي قد يكون مدنياً فتكون المحكمة المختصة هي المحكمة العامة , وقد يكون تجارياً فتكون الدوائر التجارية في ديوان المظالم (حالياً) هي المحكمة المختصة , وهكذا إذا كان يتعلق بالتأمين أو غيره.
مشيراً إلى أنه وكما أن النظام أوضح سريان أحكام هذا النظام على كل تحكيم أياً كانت طبيعة العلاقة النظامية التي يدور حولها النزاع سواء كان التحكيم في المملكة أو كان تجارياً دولياً يجري في الخارج واتفق طرفان على إخضاعه لأحكام نظام التحكيم السعودي، فتضمن النظام الجديد احتواءه للتحكيم التجاري الدولي إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية وذلك إذا كان التحكيم دولياً في حكم هذا النظام إذا كان موضوعه نزاعاً يتعلق بالتجارة الدولية، وذلك في الأحوال التالية:
إذا كان المركز الرئيس لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في أكثر من دولة وقت إبرام اتفاق التحكيم، فإذا كان لأحد الطرفين عدة مراكز للأعمال فالعبرة بالمركز الأكثر ارتباطاً بموضوع النزاع، وإذا لم يكن لأحد طرفي التحكيم أو كليهما مركز أعمال محدد فالعبرة بمحل إقامته المعتاد أو كان المركز الرئيس لأعمال كل من طرفي التحكيم يقع في الدولة نفسها وقت إبرام اتفاق التحكيم، وكان أحد الأماكن واقعاً خارج هذه الدولة كأن يكون مكان إجراء التحكيم كما عيّنه اتفاق التحكيم، أو أشار إلى كيفية تعيينه أو كان مكان تنفيذه جانباً جوهرياً من الالتزامات الناشئة من العلاقة التجارية بين الطرفين، أو كان المكان الأكثر ارتباطاً بموضوع النزاع، وكذلك إذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى منظمة، أو هيئة تحكيم دائمة، أو مركز للتحكيم يوجد مقره خارج المملكة أو كان موضوع النزاع الذي يشمله اتفاق التحكيم يرتبط بأكثر من دولة.
ويسترسل الدكتور محمد الجرباء بأن من أهم الملامح في النظام الجديد عدم اشتراط اعتماد وثيقة التحكيم من المحكمة أو الجهة المختصة أصلاً ينظر النزاع إذ كانت هذه من العقبات التي تؤخر البدء في العملية التحكيمية في النظام السابق، حيث قد يستغرق ذلك الاعتماد عدة أشهر رغم أن النظام السابق قدد حدد مدة معينة لذلك الاعتماد, ولم يشترط النظام الجديد ذلك الاعتماد من الجهة المختصة أصلاً ينظر النزاع , بل أصبحت من صلاحية هيئة التحكيم اعتماد وثيقة التحكيم ثم الشروع في التحكيم، لأن الأصل في وجود التحكيم هو السرعة والسرية في إنهاء النزاعات القائمة في قطاع الأعمال وهو ما راعاه النظام الجديد.
مشدداً أن هناك حاجة لدراسة الأنظمة في كلية الشريعة ومن هذه الأنظمة نظام التحكيم ليكون القضاة على دراية تامة بأحكامه مما يساعد في إنجاح التحكيم السعودي ومنافسته إلى العالمية حيث إن متطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية تحتاج إلى مزيد من التخصص خصوصاً في المجال القضائي والاستشاري والتي نأمل أن تتواكب معها وزارة التعليم العالي عبر الجامعات أو الكليات المختصة عاجلاً.
وقال الجرباء: نظام التحكيم الجديد أشار صراحة إلى مراكز التحكيم وجواز إنشائها تحت مظلة الأحكام العامة للنظام، وتجدر الإشارة إلى أن النظام السابق قد سكتَ عن ذلك وهو سكوت لا يفيد المنع، ومع هذا التصريح من النظام الجديد، فمن المنتظر ظهور مراكز تحكيم تجارية متخصصة تستطيع استقطاب المحكمين المؤهلين أولاً ثم أصحاب المنازعات التجارية المحلية ثم الدولية.
منوهاً أن المملكة بحاجة إلى إنشاء مركز للتوفيق والتحكيم مؤسسي (Constutional) يكون منافساً ًلمراكز التحكيم الدولية فالمملكة ورغم ثقلها الإقتصادي وتعدد أنواع العقود مع الشركات العالمية بحاجة إلى مركز تحكيمي واضح الإجراءات والمعالم , وهذا بلا شك يخفف على القضاء المختص, ولذلك يأمل المهتمون من اللائحة التنفيذية بيان الإجراءات اللازمة لفتح مراكز التحكيم وبيان المستوى الفني المطلوب فيها.
وأضاف أن عبر النظام الحالي أصبح نظر دعوى بطلان حكم التحكيم معقوداً لمحكمة الاستئناف المختصة أصلا ًبنظر النزاع وهذه نقلة نوعية.
أما فيما يتعلق بقبول الطعن فالنظام نصّ على عدم قبول الطعن ضد أحكام التحكيم بأي طريقة من طرق الطعن إلا إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلاً، أو قابلاً للإبطال، أو سقط بانتهاء مدته أو كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقد الأهلية، أو ناقصها، أو تعذّر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إبلاغه إبلاغاً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم، أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته أو إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق أي من القواعد النظامية التي اتفق طرفا التحكيم على تطبيقها على موضوع النزاع، أو أن هيئة التحكيم قد شكّلت على وجه مخالف للنظام، أو لاتفاق الطرفين أو إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاصة بالمسائل غير الخاضعة له، فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء غير الخاضعة للتحكيم أو إذا لم تراع هيئة التحكيم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثّر في مضمونة، أو استند الحكم على إجراءات تحكيم باطلة أثّرت فيه.. كما أكد النظام على أنه للمحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان أن تقضي من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمَّن ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام في المملكة، أو ما اتفق عليه طرفا التحكيم، أو إذا وجدت أن موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها بموجب هذا النظام.
وأشار الخبير القانوني والمحكم المعتمد أن النظام الجديد قد تجاوز فعلاً ثغرات النظام السابق، والذي كان التطبيق العملي له يدخل في موضوع النزاع لفتح الدعوى من جديد.. وهنا تجدر الإشارة إلى مسألة فنية دقيقة أن المادتين (18 - 19) في النظام السابق لو صاحبَها فهمٌ فقهي أو قانوني يدرك أبعاد التحكيم واللجوء إليه لكان التطبيق العملي لا يدخل في موضوع الدعوى وهذا يؤكد ما أشرنا إليه في أهمية التأهيل الفقهي والنظامي السليم للعاملين في البيئة العدلية، كما أكد النظام الجديد كما هو السابق على أهمية المساواة بين أطراف التحكيم، وهو ما نشير معه إلى أن هناك خلطاً في المفهوم لدى بعض المحامين أو غيرهم ممن يختارون كمحكمين عن الأطراف، فيلتبس عليهم ماهية الدور المُكلف به, فيجعل من نفسه محامياً داخل هيئة التحكيم للطرف الذي اختاره، وهذا فهم خاطئ إذ إنه بدخوله في هيئة التحكيم أصبح محكماً وليس محامياً فينصب نظره لفهم الدعوى ووجهة نظر طرفي الدعوى لتحقيق الحكم العادل.
ومن الملامح التي تجدر الإشارة إليها في النظام الجديد واقترابه من العالمية أنه أجاز أن يكون التحكيم باللغة العربية مع جواز أن تقرر هيئة التحكيم أو إذا اتفق طرفا التحكيم أن يكون بلغة أخرى.
كما اختار النظام الجديد شروطاً في المحكم أن يكون كامل الأهلية وحسن السيرة والسلوك، وأن يكون حاصلاً على الأقل على شهادة جامعية في العلوم الشرعية أو النظامية، وإذا كانت هيئة التحكيم مكونة من أكثر من محكم فيكتفى بأن يكون رئيسها من ذوي التأهيل الجامعي في الشريعة أو القانون.
وقد يكون لواضعي هذا الشرط نظرتهم من خلال الواقع العملي إذ قد يفوت على غير المتخصص إجراءات التحكيم.
ويشير إلى أن الجهات التي ستتولى اقتراح مشروع اللائحة من وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء وديوان المظالم والجهات ذات العلاقة أن تتعامل بحكمة الخبير التنظيمي مع مثل هذه النصوص بما يحقق النقلة النوعية للتحكيم السعودي التي يهدف إليها المنظم السعودي ، وكذلك ما جاء في نص المادة (42) عندما نصَّت على أنه يجب أن يشتمل الحكم في القضية على (تحديد أتعاب المحكمين ونفقات التحكيم وكيفية توزيعها بين الطرفين).. فما هو الأثر المترتب ليتضمن الحكم الصادر في القضية لبيان أتعاب المحكمين وكيفية توزيعها!؟.. وفي صلب حكم التحكيم؟! منوهاً إلى أن هذا النص لا يُوجد له مثيل في النظم العالمية في التحكيم ولعل اللائحة التنفيذية تجد لذلك مخرجاً لا سيما أنها ستصدر بقرار من مجلس الوزراء أو أنها تبادر بطلب تعديل المادة بحذف هذه العبارة من المادة (42), وما أشرت إليه في المادة (24), كما يأمل المهتمون من اللائحة التنفيذية أن توضح بجلاء الشروط اللازمة لإنشاء مراكز للتحكيم لأهمية ذلك في المجال الاقتصادي والاستثماري المزدهر الذي تعيشه المملكة في ظل هذه القيادة الرشيدة - حفظها الله -.
ومن الملامح التي تُحمد للنظام الجديد النص صراحة على أن حكم التحكيم حائزاً لحجة الأمر المقضي به ويكون واجب النفاذ بعد الأمر بتنفيذه من المحكمة المختصة.
وكذلك ما أكده النظام الجديد من أنه لا يترتب على رفع دعوى البطلان وقف تنفيذ حكم التحكيم.. ومع ذلك يجوز للمحكمة المختصة أن تأمر بوقف التنفيذ إذا طلب مدى البطلان ذلك في صحيفة الدعوى، وكان الطلب مبنياً على أسباب جدية.. وعلى المحكمة المختصة الفصل في طلب وقف التنفيذ خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم الطلب.. وإذا أمرت بوقف التنفيذ جاز لها أن تأمر بتقديم كفالة أو ضمان مالي، وعليها إذا أمرت بوقف التنفيذ الفصل في دعوى البطلان خلال مائة وثمانين يوماً من تاريخ صدور هذا الأمر، فهذه الُمدد تدعم نجاح التحكيم التجاري السعودي، كما جرى النص أيضاً على أنه لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إلا إذا انقضى ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم.
وحول آليات تنفيذ حكم التحكيم ينوه الجرباء إلى أن التنفيذ لا يتم إلا بعد التأكد من عدم تعارضه مع حكم أو قرار صادر من محكمة أو لجنة أو هيئة لها ولاية الفصل في موضع النزاع في المملكة العربية السعودية.. وأن لا يتضمن ما يُخالف أحكام الشريعة الإسلامية والنظام العام بالمملكة، وإذا أمكن تجزئة الحكم فيما يتضمنه من مخالفة، جاز الأمر بتنفيذ الجزء الباقي غير المخالف. وأن يتم إبلاغ المحكوم عليه إبلاغاً صحيحاً، كما أن النظام أدرك أهمية شركة التنفيذ فقد نصَّ على أنه لا يجوز التظلُّم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم، أما الأمر الصادر برفض التنفيذ فيجوز التظلُّم منه إلى الجهة المختصة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره.
وفي ختام حديثه أكد الخبير القانوني والمحكم المعتمد د. محمد بن عبد العزيز الجرباء أن نظام التحكيم الجديد جاء محققاً لنقلة نوعية في التحكيم التجاري والمدني السعودي ومتجاوزاً للثغرات التي كانت في النظام السابق، متمنين صدور اللائحة التنفيذية للنظام لتضيف إلى هذا الإنجاز إنجازاً آخر يصب في تقدم التحكيم السعودي وإنهاء المنازعات التجارية والمدنية على قدر من السرعة والسرية بما يخدم الهيئة الاستثمارية والاقتصادية المزدهرة التي تعيشها المملكة.