أن تتحقق الأحلام، فذلك أمل تتوسَّده أفكارنا وهي تُمارس حقها في الاسترجاع على محطات الحياة المتجددة. وأن لا تتحقق، أو لا تأتي كما تشكَّلت، فتلك طبيعة الحياة التي قد تختلف عن شفافية الأحلام. قبل أن تتفجَّر أرض الخليج بالذهب الأسود، كان فتى الخليج يختصر أحلامه وهو ينظر إلى الصحراء ويحدق في أُفقها الكبير كأنه يتعجَّل المستقبل ويقرِّب البعيد ويُحضر الغائب.
كان فتى الخليج يرتكز على عصاه يهش بها على غنمه، أو نخلة يهز جذعها فتُسقط عليه رطباً جنيّاً، أو حافة قارب صغير يغوص منه إلى مكامن اللؤلؤ، أو كُتَّاب يرضع منه كلمات زرعَ وحصدَ. كان فتى الخليج بسيطاً تتجسّد في بساطته سمة الحياة الخليجية. وعندما تفجّرت أرض الخليج بالذهب الأسود، وانبجس صدر الخليج عن عقد حبّاته سيف السعودية ولؤلؤ البحرين وصقر قطر وشاطئ الإمارات وخنجر عمان وقارب الكويت... وقف فتى الخليج شاباً يافعاً ينظر إلى المستقبل ويمد يده ليستقبل أُفقه الكبير ويرصِّع به شموخ الحياة القادمة. عندما تفجّرت أرض الخليج بالذهب الأسود، جمع فتات أيامه البسيطة ومزجها بتراث آبائه وأجداده وأضاف عليها نكهة استخلصها من تنظير حاضره واستشراف مستقبله وصهرَ كل ذلك في بوتقة أنجبت تعاوناً خليجياً متميزاً. ذلك الذي نام آمناً على أحضان الخليج ليكون الحلم حقيقة. أن تتحقق الأحلام، فذلك اتساق الرؤية بالعمل. توافُّق النظر مع الواقع. تقارُّب الأمل بما يمكن. أحلام فتى الخليج التي بدأت من الصحراء وانتهت بهذا البناء سيمفونية رائعة تعزف لحناً يجوب في الفضاء ويحط على الأشجار ويشنِّف الآذان التي انتظرت هذا اللحن الخالد. أحلام فتى الخليج، شعلة متّقدة أضاءت طريق عبورنا تلك المساحة الهائلة التي قطعتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتصل إلى أعتاب القرن الواحد والعشرين وتتمركز في الصف الأول كدول حديثة متطورة تُمثّل أنموذجاً، لم يكن عفوياً، لقدرة الإنسان على اختصار مسافات الزمن وتجاوز عقباته والوصول إلى سدة المقدمة باقتدار. التفرُّد في تعاون الخليج، أنه بدأ بالقاعدة. البدء بالقاعدة هو السنَّة التي يعلو بها البناء ويُثري بها العطاء، هو الأساس الذي يربط الأطراف بالأصل. التفرُّد في تعاون الخليج، أن تتعامل بعفوية مع أُنموذج غير عفوي من أنماط التعاون الإنساني الذي يتفاعل مع قضايا البشر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية المتعددة. الجميل في هذا التفرُّد، أنه يمنحك الفرصة للاستمتاع بأحلامك وهي تتجاوز مرحلة التعاون وتتطلع إلى الاتحاد. والأجمل في هذا التفرُّد، أنه أحلام فتى خليجي.
رئيس دار الدراسات الاقتصادية - الرياض.