استبشر الناس خيراً بتطبيق نظام البصمة عند دخول المقيمين من الوافدين للعمل رجالاً ونساءً، وتكمن سعادتهم واستبشارهم بذلك أنهم «حلموا» أن هذا الإجراء سيحد من هروب السائقين والخادمات، ويحفظ للناس حقوقهم وأموالهم، ولكن هذا التفاؤل ما لبث أن انتهى إلى إحباط كبير جداً، فالهروب لم يتوقف، بل زاد عن حده، ولم يعد قاصراً على جنسية معينة، وتضاعفت حالات الهروب من المنازل لا لسوء معيشة ولا سوء تعامل، وإنما هو لأسباب عديدة: أولها من أمن العقوبة أساء الأدب، ثم وجود ضعاف النفوس ممن يؤوون هؤلاء، والسبب الأكبر أن هؤلاء يعرفون أنهم سيغادرون هذه البلاد بأفضل مما دخلوها، وذلك بالذهاب إلى أماكن معينة، والعمل فيها برواتب مغرية أو التوجه للكسب الحرام وغير المشروع، إما ببيع المسكرات والمخدرات أو ممارسة الرذيلة، ومن ثم توجههم إلى أقرب مكاتب لترحيل المخالفين على أنهم من متخلفي العمرة!!
ينفق رب العائلة ما يزيد على خمسة عشر ألف ريال، وينتظر عدة أشهر، ويراجع عدة جهات حتى يحصل على (التأشيرة) وحتى موعد وصول الخادمة، وينتهي الأمر بعد أيام فقط، وليست أشهرا، بهذا السائق أو هذه الخادمة بالتوجه إلى أوكار المتخلفين وممن يعيثون في الأرض فساداً، وتبقى الحسرة والندامة على المواطن، وهذه الحالة مع الأسف لا يكاد يخلو منها أي منزل، بل إن بعض العوائل أصبح لديها هواية تجميع الجوازات من معظم الجنسيات، وأصبح لدى العوائل السعودية هواية فريدة تمتاز بها عن سائر أصحاب الهوايات الأخرى!
كلنا يعلم أن هناك من يقومون بتشغيل تلك العمالة الهاربة في المنازل أو في المؤسسات الخاصة بل وحتى الشركات الكبيرة «وعلى عينك يا تاجر» وأكبر دليل مشروع كبير في شمال الرياض يعج بعشرات الآلاف من العمالة المتخلفة وتحت مرأى ومسمع جميع الجهات المعنية، ولا ملامة ولا عقاب على العامل المتخلف، ولا على الشركات والمؤسسات التي تأوي هؤلاء وحتى لو افترضنا أنه تم القبض على العامل المتخلف والعاملة المتخلفة «هذا إذا قبض عليهم» فهل سيتم الزامهم برد الحقوق لصاحب العمل (المواطن) وسداد ما أنفق وخسر على جلبهم إلى هنا بالتأكيد لا، ولن يتم ذلك، بل ربما يتم مطالبة صاحب العمل وعقب العثور على العامل أو الخادمة بثلاث سنوات بسداد قيمة التذكرة وترحيل المخالف على حسابه!
إنني أطرح سؤالاً عريضاً يشغل بال الجميع، وهو ما فائدة البصمة، يا أحبة يا كرام، إذا كان العامل أو الخادمة سيخرج بكل يسر وسهولة، وكأن شيئاً لم يكن؟ ولقد بحت الأصوات وكتب أصحاب الرأي في أعمدة الصحف وعبر البرامج الحوارية في الإذاعة والتلفاز عن هذه المشكلة، ولم نجد من يحفظ الحقوق، بل نجد الصوت الأقوى هو من يطالبنا بإلغاء نظام الكفيل، فإذا كانت حقوقنا لم تحفظ بالنظام السابق فمن سيحفظها لاحقاً والمشكلة الأخطر أن هروب بعض العمالة يرتبط مسبقاً بجرائم وقضايا جنائية!
إن حق العمالة -ولله الحمد- محفوظ في هذه البلاد شرعاً ونظاماً، وهناك جهات تلزم أصحاب العمل برد الحقوق ومجازاة المتأخرين أو المسوفين والمماطلين بمنعهم من الاستقدام، ولكن من يحفظ حقوق المواطن، أما حالات الهروب المستمرة والمتكررة، فإنني على يقين بأن هذا الأمر ليس مشكلة جوازات ولا مكاتب عمل، بل هي مشكلة متعددة الأطراف وتتطلب حلولاً جماعية والعمل على حفظ أمن البلاد وعدم تسرب المتخلفين وتنقلهم من المدن وعدم إيوائهم وحفظ حقوق الناس ووضع آليات وضوابط تحفظ حقوق المواطن الذي لا يجد من يحفظ حقه، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذا أمر ممكن ويسير، بشرط أن توجد الإرادة الجازمة والتوجه الحازم لحلها.
alomari1420@yahoo.com