الأوقاف الخيرية من الأعمال الجليلة التي حث عليها الإسلام فتسابق إليها المحسنون من أصحاب الأيادي البيضاء تحقيقاً وترجمةً عمليةً لمفهوم التراحم والتواد بين المسلمين ونظراً لما للأوقاف من أثر في دفع عجلة التنمية كونها رافداً هاماً من روافد بيت المال العام فإن المصلحة تقتضي مراجعة هذه الأوقاف وتقويم أدائها لضمان استمرارها وديمومة عطائها ولعل من أهم ما يبدأ به في ذلك العمل على تقييم صكوك الأوقاف الخيرية، فمن مراجعة الكثير من الأوقاف الخيرية (عامة أو أهلية) نجد أن السبب الرئيس في ضعف او انعدام فاعليتها يعود إلى الآلية التي تم بها صياغة صك الوقفية والتي أسهمت بخروج صكوك ضعيفة سقطت عند التطبيق العملي لمضمونها وخاصة مع عدم وجود نماذج إرشادية تعين الواقف على صياغة وقفه بأسلوب شمولي متكامل بالإضافة إلى الاجتهادات الفردية من قبل الواقف التي لم تستوعب جميع العناصر المطلوب توفرها في الصك مما يؤدي إلى خلل في التطبيق مع فتح المجال للاجتهادات الفردية في إدارة الوقف وتسيير أموره بشكل يخالف في الغالب إرادة الواقف ويجعل الطريق متاحاً للتلاعب بالوقف واستغلاله بطرق غير شرعية ولذا وجب على كل ميسور نَوى وقف جزء من ماله أن يبذل الجهد في صياغة الوقف بطريقة تضمن شمولية الصك وتحقق مُراد الواقف، ومن أهم العناصر التي يجب أن يتضمنها صك الوقفية نوعية الأعيان الموقوفة سواء كانت عقارات أو أسهم أو غير ذلك والتي يجب أن تكون مستقلة وموثقة بصكوك شرعية واضحة لا لبس فيها فلا تُوقف عقارات أو أسهم مشاعة أو غير مملوكة بصكوك شرعية سليمة، كما يجب أن يتضمن صك الوقفية تحديد مصارف الوقف بدقة متناهية يتضح من خلالها ما سيتم صرفه على أعمال الصيانة ومخصص النظار والاستثمار بالإضافة إلى تحديد المصارف الخيرية بطريقة تحقق مراد الواقف وتضمن استمرار الوقف وتعطي للنظار مساحة من الاختيار حسبما يرونه أنفع للمُوقِف وأكثر مصلحة للمستفيد.
كما يجب أن يتضمن صك الوقفية على تحديد دقيق للنظار سواء من حيث العدد أو النوعية مراعياً في ذلك تنوع الاختصاص مع بيان دقيق لآليات إعفاء النظار أو فصلهم أو تعيين نظار جدد ويُؤَكدُ هنا على ضرورة صياغة ضوابط دقيقة لإدارة مجلس النظار بشكل يضمن سير العمل ويقلل من الصراعات أو الاستحواذ واستغلال النفوذ، ومن العناصر الأكثر أهمية في صك الوقفية ما يتعلق بصلاحيات النظار الإدارية والمالية والاستثمارية والتي تتطلب ضبطا دقيقا يحقق مرونة في الإدارة وضبطا للعمل وبعدا عن الاجتهادات الفردية مع ربط بعض هذه الصلاحيات بموافقة الحاكم الشرعي (القاضي) ليحقق ذلك أمانا كبيرا لأعيان الوقف وأصوله.
كما يجب أن يضمن الصك أنظمة واضحة للرقابة والمحاسبة على النظار من قبل جهات خارجية يحددها الواقف تضمن جودة الأداء وتحقق الهدف، هذا وسوف يأتي تفصيل لهذه العناصر في مقالات لاحقة بإذن الله تعالى والله الموفق لكل خير.