كان “بيرنارد دوج” وهو أستاذُنا القدير في جامعة “سان دييغو الحكومية” يتندر معنا وقت توزيع مفردات المقرر أولَ الفصل الدراسي في مواد “الحاسوب التعليمي C.A.I” “و C.M. I” “بأن ننسى ما يُعلمه لنا الآن فسيكون قديمًا آخر الفصل، ولم يعدُ الحقيقةَ التي لم نستوعبها آنذاك، ووعيناها اليوم؛ فإن غفونا لحظةً عن مستجدات التقنية فإننا سنفقد مسارًا ممتدًّا قد ينحرف بنا نحو ركنِ الجامدين إن لم نقل الجاهلين.
* لقطةٌ تطيب العودةُ إليها في شؤون التقنيةِ بما لا مزيد عليه سوى أن التسارع صار أكبر مما نتخيل، وربما صحونا فجرًا على ما تبدل خلال منامنا، وفيها صورةٌ أخرى للمتغيرات المجتمعيةِ التي لم تعد تستوعبُ ما ألفينا عليه أنفسَنا أزمنةً هادئةً متنمطةً لا فرق فيها بين ما عاشه الجد وعاينه الحفيد.
* ربما جاءَ في عناوين التبدلات الحاسمةِ ما يشي بقراءاتنا المتأخرةِ عن الحِراك المجتمعي العولمي؛ فالحياةُ لا تؤمن بإشارة المرور الحمراء، والوقوف عندها لا يعني سوى الفرجةِ على المركبات والراكبين يَعبرون مسرعين ولا يلتفتون لمن ينتظر ضوءَها الأخضر.
* الثورةُ الإعلاميةُ دلالةٌ؛ فلا أحد يستطيعُ التنبؤَ بما يحمله الغدُ، ولم نصدق -قبل ثلاثين عامًا- أن التلفزيون سيصبحُ مثل الراديو، واستنكر بعضُ من سبقنا جهازًا أصمَّ يتكلم، وما يزال لدينا من يُدرّسُ نظريات الاتصال العتيقة، ويستعيد من مادة “التلفزيون التعليمي” التي تتلمذ فيها على أستاذه الأميركيّ “ديفيد شارب” ما رآه حينها انقلابًا في أسلوب التدريس وتوظيف المستجد النظريّ والعملي، وصارت - اليوم - مادةً مبتدئةً.
* مازلنا نتلقى - عبر البريد الآلي- روابط مواقع تتحايلُ على الحجب؛ ما يجعلنا نبتسمُ للعبةٍ يدرك الطرفانِ أبعادَها؛ فلا الحاجبُ مقتنعٌ بجدوى عمله، ولا المحجوبُ قلقٌ من آثار الحجب، والمتفرجون مقتنعون بعبثيةِ الرقيب.
* الأمثلة تشي بتخلفٍ “زمني وذهني” يحياهُ من يفكر بنمطيةِ الحصار وفردنةِ الوسيلة وتشديد التجسس والتحسس وتجذير التخويفِ والتجديف، وهي نفسُها هواجسُ السياسيين والمفتين والآباء والتربويين والحكواتيين في خطاباتهم المستنسخةِ؛ فكأن مسيرةَ الأَمام لا تعنيهم، أو كأنهم من يحرك ساعةَ التغيير ويوقفها.
* نحارب اليومَ ما سنحتفي به غدًا، وتدورُ معظم أبحاثنا وكتاباتنا على توصيفِ الواقع وتحليله وتعليله؛ ما يؤكد غيابَ المفكرين المستقبليين عن الواجهةِ، وندرة العناية بتكوينِ عقولٍ ناقدةٍ فاحصةٍ، والارتهانَ لما قاله القَبْلُ واستظهره البَعْدُ.
* قبل سنواتٍ بعيدة كتب صاحبكم في بحثٍ علميّ محَكّم أن “مئةً وثلاث حقائقَ جديدةٍ” تكتشفُ كل أربع وعشرين ساعةً، وهو رقمٌ مدهشٌ، ولن يعنيه رقمٌ خياليٌّ لحقائق اليوم؛ فما الجدوى مادام فينا من يظنُّ أن السكونَ علامةُ الجودة، وأن إذنَه شرطٌ لإشراقِ الآتي.
* القولبةُ انكفاء.
ibrturkia@gmail.com
t :@abohtoon