من كان يتحدث عن بعض ما تبقى من أخلاقيات النظام السوري فإنه لم يعد بمقدوره أن يراهن على استبعاد دخول البلاد إلى حرب أهلية؛ بسبب الدعم الطائفي اللامحدود الذي يقدمه النظام، وهو ما قد يدفع بالسوريين إلى رد فعل طائفي في الاتجاه الآخر؛ ليتيح للنظام استخدام القوة الغاشمة ضد الشعب الأعزل، إضافة إلى خلق حاجز نفسي اعتماداً على مخاوف أبناء الطائفة من تلك الممارسات.
منذ أن خرجت المظاهرات السلمية مطالبة بإسقاط النظام زجّ الرئيس السوري بآلته العسكرية؛ لتصبح القضية بالنسبة له: قضية حياة أو موت، ولم يفهم النظام في سوريا - حتى هذه اللحظة - لغة الحوار، والاستجابة الفورية إلى مطالب شعبه؛ ما انعكس سلبا - وبشكل واضح - في الصراع المسلح، الذي يجري في المدن، والقرى، وتهيئة الأجواء اللازمة لاندلاع حرب أهلية طويلة الأمد في البلاد؛ من أجل أن يحافظ النظام - مع الأسف - على مصالحه غير المشروعة.
صحيح أن الأزمة في سوريا لم تتحول - بعد - إلى حرب طائفية، ولم تتشكل جبهات قتال على أسس طائفية، وهو أمر مستبعد في الوقت الحاضر، إلا أن حجم الخسائر قد يدفع بهذا الاتجاه، ولاسيما أن رياح الطائفية تبدو أكثر خطورة من أي وقت مضى. وأخشى ما أخشاه أن تتحول الدعاوى من أحداث شرخ طائفي كبير في النسيج الاجتماعي للبلاد بعد أن حاول النظام تعبئة الطائفة العلوية، والأقليات الدينية الأخرى، وشحنها بالخوف على مصيرها، وهو ما جعل وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل يكشف - قبل أيام - أن: «النظام السوري يحاول جر المنطقة إلى حرب طائفية، عبر مد النَّفس الطائفي في الصراع إلى المناطق المجاورة»، وهذا - بلا شك - مؤشر سلبي، يدل على أن هذا الصراع القائم في سوريا سيخلق مناخاً أسوأ مما هو عليه الآن.
ما يزيد المشهد السوري تعقيداً هو ألا يحصل في سوريا ما حصل في العراق، حين نُفخ في كيره ريح الطائفية السوداء، ودفع به التطرف الأيديولوجي إلى الوراء. وحتى تتشكل رؤية عامة من الصراع الدائر في سوريا فإن السيناريوهات المتوقَّعة لا يشير أي منها إلى رؤية متفائلة، وخصوصاً أن المعلومات تشير إلى دخول مجاميع من تنظيم القاعدة إلى سوريا، برغم ما أصابها من ضعف؛ الأمر الذي سيثير المخاوف؛ بسبب دخول تلك المجاميع، وتحول الصراع - لا قدّر الله - في المجتمع فيما بين مكوناته؛ ليصبح طائفياً مكشوفاً، وهذا ما لا يتمناه العقلاء.
drsasq@gmail.com