تبنّى خادم الحرمين الشريفين، الملك (عبد الله بن عبد العزيز) رعاه الله، الدعوة إلى قيام اتحاد خليجي كامل، يضم دول مجلس التعاون الخليجي الست: (السعودية- الكويت- البحرين- قطر- الإمارات- عُمان). الفكرة عرضت في اجتماع القمة التشاوري الذي عقد مؤخراً بالرياض، ثم
أخذت بعد ذلك دورها في الدراسة والتشاور، إلى أن تنضج على نار هادئة، كما هي طبيعة العمل السياسي الذي يحكم العلاقات بين دول المجلس، دون مزايدات أو شطحات نعرفها من (أخزم العربي)، البعيد عن محيط شعوب ودول المجلس..!
لماذا الاتحاد الآن بين الدول الست في المجلس؟ ألا يوجد أي شكل من أشكال الاتحاد في منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية عمرها 32 عاماً؟
الواقع يقول: بأن أسس الاتحاد بين الإنسان والمكان في هذه البقعة، قائم وموجود حتى قبل قيام مجلس التعاون الخليجي، ولما أنشئ المجلس، رتب أسس وأولويات الاتحاد، بحيث كان اتحاداً سياسياً وعسكرياً، ثم اقتصادياً فيما بعد، والصوت الخليجي شبه الموحد على الصعيدين الإقليمي والدولي، يشير إلى ذلك دون مواربة، فلم يتبق سوى استكمال هذه الأسس وهذه الأولويات، في عمل سياسي وعسكري واقتصادي وثقافي موحد، يشعر معه كل سعودي وكويتي وبحريني وقطري وإماراتي وعُماني، أنه مواطن خليجي، يتمتع في كل قطر من هذه الأقطار الستة، بكامل حقوقه دون تمييز، أو تفضيل.
ليس عيباً أن يقال: بأن مجلس التعاون الخليجي قام لمواجهة إيران الثورة في عهد خميني.. بل هذا شرف لدول الخليج العربية، وشهادة لها أنها استشعرت الخطر الفارسي آنذاك المغلف بغلاف ديني، فصمدت في وجه المد الخميني الشرس، بل زادت وعززت الموقف العراقي في وجه أطماع خمينية لخلخة استقرار العراق، فجوزيت من صدام حسين كما جوزي سنِّمَار..! وهذه عادة عند بعض الأعراب، أنهم يعضون الأيدي التي تمتد إليهم، حتى أنه أراد أن يطوق وحدة الخليجيين بمجلس مفتعل مضاد: (شمال غرب جنوب)، يضم العراق والأردن ومصر واليمن، بهدف تفتيت دول مجلس التعاون الخليجي، وتقاسم خيراتها، وظهرت تفاصيل المؤامرة مع غزوه للكويت سنة 1990م، يوم انفصل عنه الشهم (حسني مبارك) وظلت المؤامرة محصورة فيه وفيمن تبعه، حتى رموز الإخوان المسلمين في بلدان عربية كبيرة، ذهبوا بعيداً في تأييد المعتدي، والتشفي من المعتدى عليه، وتبرير العدوان.
هذه واحدة من أهم دواعي الاتحاد بين دول المجلس الخليجي، أن تجمع قواها ومقدراتها لحماية كياناتها وأمنها واستقرارها، فأعداء هذه البقعة الغنية من هذا العالم، ليس في إيران وحدها، ولكنهم كُثر، حتى الجوار العربي في بعض الأحيان؛ يتحول إلى عدو متربص، كما حدث للكويت من عراق صدام حسين، والمجلس أثبت قدرته وكفاءته على التصدي للعديد من التحديات التي كانت تستهدف بنيته التنظيمية، وتهدد حكوماته وأنظمته الأمنية والعسكرية، وقد نجح في وقف التصدير الثوري للثورة الخمينية وقتها، واستعاد الكويت من براثن الغزاة، وهو يصمد الآن في وجه حملة فارسية ممنهجة، تدعمها قوى عربية مغرضة ومتكسبة، من أكثر من عاصمة عربية مع الأسف.
إذا كان هذا هو حال مجلس التعاون منذ إنشائه، وما حققه من نجاحات؛ أقلها بقاؤه ثابتاً مع فشل منظومات مماثلة، مثل مجلس التعاون العربي، الذي وجد للقضاء على مجلس التعاون الخليجي، والمجلس المغاربي؛ الذي ذبح على مقصلة هوس وجنون معمر القذافي، فالمستجدات والتحديات الطارئة في سنواتنا هذه، تلح في تمتين عرى الاتحاد هذه، بأن يكون اتحاداً كاملاً، يحقق القوة الفعلية لدوله وشعوبه، التي تستند إلى مشتركات مهمة، لا تتوفر إلا في محيطه.. مشتركات: (جغرافية، وسكانية، وتاريخية، واقتصادية، وثقافية).
من هذا المنطلق الذي بنيت عليه أسس الاتحاد الخليجي المشترك منذ البدء، فإن: الاتحاد الخليجي الذي نتطلع إليه بين دولنا الست، مرفوض من أعداء لدوله وشعوبه منذ بدايات تكونه في العام 1980م. مرفوض بشدة من إيران الفارسية، لأنه ضد أطماعها في الخليج وفي الهيمنة على دوله، ومرفوض من العراق إذا لم يتخلص من السيطرة الإيرانية، ومرفوض من التنظيمات البعثية واليسارية والدينية المسيسة تحديداً في كل البلدان العربية، حتى في بعض دول الخليج ذاته.. من الإخوان المسلمين الذين يعتقدون أن لهم حصة في الحكم في هذه البقعة، ومن السلفيات الثورية الممالئة للقاعدة..!
إذا جاء الرفض لهذا الاتحاد من إيران الفارسية، التي نعرف ماذا تريد، ومن تنظيمات الخوانجيين الذين ندرك مراميهم وأهدافهم، ومن بقايا البعث واليسار المتخاذل، فهل هناك مجال للتباطؤ في العمل على قيام هذا الاتحاد..؟
الاتحاد قوة ومنعة، وقد مر بنا في تاريخنا القديم والحديث، تجارب دالة على منعة المتحدين وخذلة المتفككين، فمما ينسب إلى المهلب بن أبي صفرة، أنه جمع بنيه عند احتضاره وقدم إليهم حزمة من العصي وقال: خذوها مجتمعة فاكسروها، فأخذ كل منهم يحاول كسرها وهي مجتمعة، فما استطاعوا ذلك، ثم إنه فرقها أمامهم وطلب أن يكسروا كل عصا على حدة، فنجحوا في ذلك، وكسروها جميعها متفرقة، فقال حينئذٍ:
كونوا جميعاً يا بني إذا انبرى
خطب.. ولا تتفرقوا أفرادا
تأبى العصي إذا اجتمعن تكسراً
وإذا افترقن تكسرت آحادا
assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com