لأن الأنظمة والدول ذات الأيديولوجيات المذهبية تعلم أنه لا يمكن السيطرة وتنمية النفوذ في المجتمعات والدول المتماسكة، والذين يمسكون بزمام السلطة في إيران الذين لا يخفون أطماعهم في المنطقة العربية والعودة إلى حكم العصور الوسطى، لذا يعملون بكل الصور وبشتى السبل إلى جعل العراق دولة مفككة تتناحر طوائفها وتشعل الخلافات حتى بين قادة وزعماء اللون المذهبي الواحد مما يتيح للجهات الخارجية التدخل من خلال سعي كل طرف إلى تلك الجهات والارتماء في أحضانها والحصول على دعم سياسي ومالي وحتى عسكري كون جميع المكونات الطائفية والسياسية والعرقية العراقية لها أذرع عسكرية ومليشيات أشبه ما تكون بجيوش صغيرة لا ينقصها سوى الطيران الحربي.
وهكذا أصبحت جميع التكوينات السياسية والطائفية والعرقية العراقية مرتبطة بصورة أو بأخرى بدول أجنبية التي أصبح لها اليد الطولى في توجيه السياسة العراقية. ولا يمكن إعفاء أي جهة عراقية من علاقاتها في الخارج وإن كانت إيران والولايات المتحدة الأمريكية الدولتين الأكثر تأثيراً في الشأن الداخلي العراقي وبالذات إيران التي أصبح لتدخلها في الصراع الحالي المتمثل في إعفاء نوري المالكي من رئاسة الحكومة العراقية، فبعد جمع أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب العراقي الذين يطالبون بتغيير نوري المالكي وإسقاطه عن رئاسة الحكومة، حيث تجاوز العدد 170 نائباً وهو أكثر مما طلبه رئيس الجمهورية جلال الطالباني الذي اشترط جمع أكثر من 163 صوتاً لسحب الثقة من نوري المالكي وحكومته، وبعد أن تم جمع العدد المطلوب وأكثر منه وقدم إلى رئيس الجمهورية، تحركت إيران فاستدعت مقتدى الصدر الذي يمتلك تياره والذي يطلق على نفسه «الأحرار» أربعين صوتاً إلى طهران وطلب منه الانسحاب من تكتل التحالف الكردستاني والعراقية لإفشال محاولة إسقاط نوري المالكي، وقبل أن يصل الصدر إلى طهران كانت إيران قد قطعت مساعداتها المالية والعسكرية للتيار الصدري من أجل ممارسة ضغط مضاعف على مقتدى الصدر والذي سيحصل على إغراءات وتنازلات من نوري المالكي لإبقاء دعمه له.
الأنباء الواردة من طهران تشير إلى أن الصدر سيتراجع عن تحالفه مع العراقية والأكراد، وهو الذي سبق له التراجع عن دعم إياد علاوي والذي أتاح لنوري المالكي تشكيل حكومته الحالية، فتغير مواقف الصدر ليست مستغربة خاصة وأنه يقايض مواقفه بما يحققه من مكاسب سواء فيما يقدم له من حقائب وزارية أو غض النظر عن تجاوزات وحتى جرائم مليشاته العسكرية. وإذا ما صحت الأنباء هذه فإن الموقف الجديد لمقتدى الصدر سيعزز موقف جلال الطالباني الذي لا يتفق مع شريكه في التحالف الكردستاني مسعود البرزاني، إذ إن الطالباني المعروف بعلاقاته الوثيقة بالنظام الإيراني لا يريد فك التحالف مع «الشيعة» وبناء تحالف آخر مع «السنة» عبر العراقية، وإذا ما نكص الصدر عن وعوده للعراقية والبرزاني فإن ذلك سيشجع الطالباني على دعم المالكي وقد يذهب أبعد من ذلك من الطلب من نواب حزبه في التحالف الكردستاني من الانسحاب من قائمة المطالبين بسحب الثقة من المالكي، ليظل نوري المالكي رئيساً للحكومة وتحقق إيران نجاحاً آخراً مؤكدة على أنها هي التي تمسك بزمام الأمور في العراق، عراق مفكك تتنازع قواه السياسية ومكوناته الطائفية الخلافات وهو ما سيعزز النفوذ والهيمنة الإيرانية.
jaser@al-jazirah.com.sa