كم كانت رائعة التفاتة الهيئة العامة للسياحة والآثار إلى آثارنا الغارقة تحت الأرض منذ مئات السنين، عبر سلسلة مشروعاتها الأخيرة التي بدأت تتحقق على أرض الواقع، وهذا الحراك الكشفي القوي على صعيد الآثار، الأمر الذي يدعم بقوة توجه الدولة إلى السياحة بوصفها مقوماً ذا ثقل من مقومات تنويع مصادر الدخل القومي، ويشعر الجميع في الوقت نفسه بأن ثم روحاً جديدة تولد، وأن هناك من يسعى لتحرير آثارنا، التي هي حجر الزاوية في منظومة سياحتنا الوطنية الناهضة.
ومع اعترافنا الكامل بالدور الكبير لسمو الأمير سلطان بن سلمان، ومساعيه الجادة التي نلمس صدقها فيما يتحقق على الأرض من إنجازات، إلا أنه ليس من الإنصاف أن ننظر إلى الرجل كما لو كان يمتلك عصا موسى، يضرب بها هنا فتخرج الآثار من تحت الأرض، ويضرب بها هناك فتمتد إليها الطرق، ويضرب بها ثالثة فتنشأ حولها المرافق السياحية التي تجعل تجربة السياحة فيها رحلة ماتعة للجميع، لا رحلة عناء لا يُقْدم على تَجَشمها إلا الباحثون والآثاريون.
إن هناك جهات كثيرة ينبغي أن تضطلع بأدوارها على الصعيد السياحي، هذا المحور الحساس من محاور اقتصادنا الوطني، بدخولها شريك تنمية وطني مع الهيئة العامة للسياحة والآثار وانضمامها إليها في حالة الاستنفار التي تعلو وتيرتها يوماً بعد يوم. وعلى كثرة الجهات ذات العلاقة بهذا الشأن إلا أنني أرى أن أقرب المرشحين لدور الشريك في برنامج وطني عملاق للنهوض بآثارنا، ومن ثم سياحتنا، إمارات المناطق، فهي المعنية بهذا الأمر، على الأقل في هذه المرحلة، إذ إن هذه الآثار والأماكن السياحية تقع في نطاق إشرافها الإداري، فلماذا لا تُنشأ، على سبيل المثال، مراكز أو مكاتب معلومات وخدمات في كل منطقة ومحافظة ومركز لتوثيق أبرز المعالم الأثرية فيها، تحت إشراف الهيئة العامة للسياحة، وفق اتفاقية توقع بين الجهتين؟.. للإشراف على المواقع التراثية والمناطق السياحية وتذليل العقبات التي تعيق تقدم السياحة، والتنسيق مع الجهات الخدمية الأخرى مثل البلديات والنقل والطيران، وغيرها من الجهات الرسمية، لتمهيد الطرق إلى هذه المواقع السياحية والتراثية، وإنشاء الاستراحات والمتنزهات حولها، ومراقبة الخدمات على الطرق وفي الاستراحات. وحبذا لو يفتح الباب أمام المستثمرين للدخول شريكاً في جهود التنمية تلك، على أن يكون لهم حصة من عوائدها، تأسياً بتجارب كثيرة محيطة بنا، أسهم فيها الاستثمار.
وحتى لا يكون الكلام مرسلاً، فلعله يجدر بنا التوقف أمام مواقع بعينها تصلح أن تكون مقصداً للسائح، وإن كانت أكثر من أن تحصى، فلدينا، مثلاً، في محافظة الدوادمي، قصر الملك عبدالعزيز التاريخي، وكذلك هناك مناطق موغلة في القدم، تحفل كتب التراث بذكرها، كـ(ماسل) التي يوجد فيها بعضا من أهم وأقدم النقوش في الجزيرة العربية، وجبل (جبلة) بطبيعته الجميلة والذي كان شاهداً على أحداث جسام، وغيرها من المواقع الأثرية التي تزخر بها محافظة الدوادمي ومراكزها، والكفيلة في حال الكشف عنها وتقديمها على نحو يليق بقيمتها التاريخية والأثرية، بأن تمنح الدوادمي ترتيباً متقدماً بين مدننا السياحية.
حمود بن متعب بن عفيصان - رئيس مركز القاعية بالدوادمي