1

الصفر المفقود:

هذه حكاية رواها لي صديق قبل حين لا يربطها بالخيال حسبٌ ولا نسب، لكنها من فرط غرابتها تكاد تكون جزءاً من خيال! ولِمَ لا، فزمننا هذا غني بمواقف (أغرب) أحياناً من الخيال!

تبدأ الحكاية هكذا:

مواطن تقوده خُطا المصلحة إلى إدارة حكومية تُعنَى بشئون الناس لمتابعة موضوع له بها كان قد أحيل إليها من إدارة أخرى، وكان يحمل معه قسيمةَ “مراجعة” تضمّ رقمَ وتاريخ معاملته المحالة إلى تلك الإدارة، وكان يمني النفسَ أملاً أن تنتهي معاملته ذلك اليوم.. بعد أن أعياه الجهدُ وكدُّ الذهن، بحثاً عنها ومتابعتها في أكثر من مكان وزمان!

ويصل المواطن إلى الإدارة التي تستضيف معاملتَه والأبتسَامةُ لا تبارح شفتيه تفاؤلاً بما هو قادم، وبعد دقائق من السؤال هنا وهناك يجد نفسه أمام الموظف المختص، وكان غارقاً بين رُكام الملفّات والأوراق، وأكواب الماء والشاي وطفايات التبغ. ويبادر المواطنُ الموظفَ بالتحّية.. فيستقبلها هذا بنصف ابتسَامة تسبقها عبارة (أيّ خدمة) ويبتسمُ المواطن جذلاً، ويسلمّه (قسيمةَ المراجعة) التي بحوزته.

ينظر الموظف ببرود إلى القسيمة ومن خلالها يهتدي إلى معاملة المواطن، فينتشلها من بين الأوراق المتراكمة بين يديه ويتأمّلها، وفجأةً يرفع بصَره الغائر خلف نظارتين سميكتيْن أبلاهما التعب ويسأل المواطنَ: هذه معاملتك حقاً، لكن، هناك (تباين) يسير بين رقمها والرقم المدوّن في قسيمة المراجعة التي جئتني بها اليوم.

وهنا، يتساءل المواطن والذهول يكاد يعقد لسانه: كيف؟ وجاءه الرد حاسماً: الصفر الأخير في الخانة اليمنى من رقم قسيمتك مفقود! ويتساءل المواطن مجدداً وهو لا يكاد يصدق أذنيه: (وما الحل؟)، ويأتيه الرد قاصفاً: عدْ إلى الإدارة التي سلّمتك القسيمةَ لإضافة الصفر المفقود! فيعاجله المواطن بالرد: أيّ منطق هذا؟ ما دامت معاملتي موجودة لديك اهتداءً بقسيمة المراجعة التي كانت بحوزتي.. فلماذا لا تنجزها؟ ثم إن عدم وجود (الصفر) في هذه القسيمة لا يسّوغ عقابي بالعودة من حيث أتيتُ بحثاً عن صفر مفقود!

لم يمهله الموظف للحديث.. بل قال له في الحال: (هذا هو النظام)! ثم ناوله القسيمة، وعيناه زائغتان تتفرّسَان المراجعين الآخرين الواقفين أمامه، فما كان من المواطن وقد فاضت حيلته واشتدت حيرته إلاّ أن (استلَّ) قلمَه.. وأضاف (الصفر) المفقود إلى الخانة اليمنى من رقم القسيمة ثم أعادها إلى الموظف بصوت يكسوه الحزن والغضب! هنا صاح الموظف: (هذا تزوير.. اشهدوا أيها الحاضرون)!!

وهنا يتدخّل أهلُ الخير من الحاضرين لتهدئة روع الموظف، وإعادته إلى صوابه، وإقناعه بأن إنجاز المعاملة أمر واجب ما دام قد عثر عليها، وأنّ ما فعله المواطن لا تزوير فيه، فقد غاب الصفرُ سهواً.. وعاد طوعاً، وليس في إعادته اعتداء على حق عام أو خاص!!

ويتراجع الموظف عن موقفه بسلام.. وينتصر العقل والعدل! وينتصر معهما هاجُس الخير!

2

أي شباب نريد ولا نريد:

لا نريد شباباً يدمنُ العملَ إلى حد يجعله ينكر الراحة أو ينساها، فيظلم نفسه، ويدفعها الكللُ على الملل والبوار!

ولا نريده يدمنُ الراحةَ، فيحرمَ نفسه مما منحه الخالق، وما اكتسبه هو عبر السنين قبل أن تحوله البطالة الإرادية إلى ما يشبه بهيمة الأنعام..

لا بل قد يكون “أضل” منها سبيلاً!

ولا نريده أن يجلد نفسه (بالبكاء) حسرةً على ما لم يستطع له إنجازاً، أو يصادر منها الحياة يأساً بالانتحار والعياذ بالله، كما يفعل إنسان اليابان أحياناً!

نريده أن يَعملَ.. ويشقَى بعمله جداً وجودةً وأداء!

نريده أن ينتجَ.. ويفرحَ بما أنتج عطاءً ومردوداً، ثم لينَلْ بعد ذلك من الراحة ما تمليه فطرةُ النفس.. وحاجةُ البدن!

نريده أن يستقبل يومَه ويودعه بالحب والأمل والرجاء، لتظلَّ شموع عزيمته متقدة بالرغبة في الإنجاز، وليقّاوم بذلك هواجس الهزيمة عند نشوء خطأ لا إرادي، وليكن الخطأُ ساعدَه لبلوغ النجاح لا عدْواً يورده مفَازةَ الهزيمة!