بداية، أشكر من الأعماق صحيفة الجزيرة؛ لتسليطها الضوء على ملف الأهلّة بين الحين، والآخر، وعلى أهم الأمور المتعلّقة بالاستهلال، حسب الرؤية الشرعية، والفلكية، بعيداً عن المشاحنات التي تتولّد بسبب التأزم النفسي، والقلق الموصول بالأسئلة التعجيزية. ومثل هذه الحوارات تعتبر خطوة إيجابية، ومؤثرة جداً نحو تلاقي الأفكار، وتلاقحها، وسيادة العلم، والمنطق، خصوصاً إذا كانت تلك الموضوعات المطروحة، تتعلّق بقضايا شرعية، وفقهية، تهم المسلمين.
مقدِّمة!
ما أعرفه عن معالي وزير العدل، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء، الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، أفقه الرّحب، وتجرّده للحق، اللذان يدفعانه إلى سبر أغوار الحقيقة، والنفاذ إلى عمق الأمور، وتتبّع مسائل العلم في مختلف مناحيه، والنهل من معينه الذي لا ينضب، دون إفراط، ولا تفريط. كما أعرف عن معاليه، قدرته على سماع الغير، وتقدير ما عندهم من آراء، فالحكمة ضالة المؤمن، أنّى وجدها، فهو أحق بها. ثم يحكم على قبول الشيء، أو ردّه بالدليل الشرعي. وهذا بلا شك معيار الانتصار للحق، والتجرُّد له، وضابط رجحان العقل الناضج المستقل، عندما تقدّر الأمور بقدرها، وتوضع في مواضعها، ثم توظف بعد ذلك التوظيف الأمثل، إذا دعت الحاجة إليها.
ضجيج الأهلّة .. بين الشرعيين والفلكيين !
معالي الوزير: ستبقى قصة الاختلاف في رؤية الهلال، ما لم نعرّف بأهمية علم الفلك، وتطوره، ودقّته، والتأكيد على الفرق بينه، وبين التنجيم، إضافة إلى دور التقنية الإلكترونية في التعرُّف على هذا العلم، ودراسته، كون التعامل مع الحسابات الفلكية الدقيقة، خصوصاً ما يتعلّق بالتنبؤ برؤية الهلال، تستدعي تقديم نماذج أكثر دقة في هذا الجانب، إذا أُخذ في الاعتبار طبيعة المشكلة فلكياً من ناحية، وشرعية من ناحية أخرى، بما يحقق الوصول إلى الهدف.
موضوع الأهلّة، كان ولا يزال موضع اهتمام بالغ من علماء المسلمين. فالحساب الفلكي القطعي، لا يعارض الرؤية الصحيحة. والأخذ بالنتائج الفلكية، لا يتعارض أيضاً مع النصوص الشرعية من كتاب الله، وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وقد ذكر ذلك عضو هيئة كبار العلماء فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع، بقوله: «وقد تغيّرت أحوال المسلمين من جهل إلى علم، ووجد في المسلمين الكثير من ذوي الاختصاصات العلمية في الطب، والهندسة، والفلك، والفيزياء، والأحياء، وعلوم الذرّة، والطاقة، وغيرها من علوم التقنية. فلا يجوز الاعتماد في أمورنا الشرعية على الأسباب التقليدية، الظنّية في النتائج، والحال أنّ لدينا وسائل نتائجها قطعية».
الحساب الفلكي لا يعارض الرؤية الصحيحة!
عندما سُئل فضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقا - رحمه الله -، عن جواز اعتماد الحساب الفلكي في هذا العصر في حلول الشهر القمري، الذي ربط بثبوته تكاليف شرعية كبدء الصيام، والفطر، وغيرهما من الأحكام، أم لا يجوز؟. وذلك في ضوء قوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأتموا العدّة ثلاثين»، والأحاديث الأخرى الواردة في هذا الشأن؟.
استهل جوابه - رحمه الله - بقوله: بأني لا أجد في اختلاف علماء الشريعة العصريين ما يدعو إلى الاستغراب، أغرب من اختلافهم الشديد في ما لا يجوز فيه الاختلاف حول اعتماد الحساب الفلكي في عصرنا هذا -؛ لتحديد حلول الشهر القمري؛ لترتيب أحكامه الشرعية. نعم، أؤكد على قصدي عصرنا هذا بالذات، ذلك؛ لأنني لا أستبعد الموقف السلبي لعلماء سلفنا من عدم تعويلهم على الحساب الفلكي في هذا الموضوع، بل إنني لو كنت في عصرهم؛ لقلت بقولهم، ولكني أستبعد كل الاستبعاد موقف السلبيين من رجال الشريعة في هذا العصر، الذي ارتاد علماؤه آفاق الفضاء الكوني، وأصبح أصغر إنجازاتهم النزول إلى القمر، ثم وضع أقمار صناعية في مدارات فلكية محددة حول الأرض؛ لأغراض شتى علمية، وعسكرية، وتجسُّسية، ثم القيام برحلات فضائية متنوّعة الأحداث، والخروف من مراكبها؛ للسياحة في الفضاء خارج الغلاف الجوي الذي يغلف الأرض، وخارج نطاق الجاذبية الأرضية، ثم سحب بعض الأقمار الصناعية الدوّارة؛ لإصلاح ما يطرأ عليها من اختلال، وهي في الفضاء.
إني على يقين، أنّ علماء سلفنا الأولين، الذي لم يقبلوا اعتماد الحساب الفلكي؛ للأسباب التي سأذكرها قريبًا نقلاً عنهم لو أنهم وُجدوا اليوم في عصرنا هذا، وشاهدوا ما وصل إليه علم الفلك من تطوّر، وضبط مذهل؛ لغيّروا رأيهم، فإنّ الله قد آتاهم من سعة الأفق الفكري في فهم مقاصد الشريعة، ما لم يؤت مثله أتباعهم المتأخرين، فإذا كان الرّصد الفلكي، وحساباته في الزمن الماضي، لم يكن له من الدقة، والصدق ما يكفي للثقة به، والتعويل عليه، فهل يصح أن ينسحب ذلك الحكم عليه إلى يومنا هذا؟. ولعلّ قائلاً يقول: إنّ عدم قبول الاعتماد على الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية، ليس سببه الشك في صحة الحساب الفلكي، ودقّته، وإنما سببه أنّ الشريعة الإسلامية بلسان رسولها صلى الله عليه وسلم، قد ربطت ميلاد الأهلّة، وحلول الشهور القمرية بالرؤية البصرية، وذلك بقول صلى الله عليه وسلم في حديثه الثابت عن ابن عمر رضي الله عنهما: «صوموا لرؤيته أي: «الهلال وأفطروا لرؤيته، فإذ غمَّ عليكم فاقدروا له». وفي رواية ثابتة أيضًا: «فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدّة ثلاثين». وقد أخرج هذا الحديث البخاري، ومسلم. وفي رواية لمسلم: «فإن غمّ عليكم فاقدروا ثلاثين»، وهي تفسير لمعنى التقدير المطلق الوارد في الرواية الأولى. وفي رواية أخرى عند البخاري، ومسلم، والنسائي، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يومًا». فجميع الروايات الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، قد ربط فيها الصوم، والإفطار برؤية الهلال الجديد. وإنّ القدر، أو التقدير عندما تمتنع الرؤية البصرية؛ لعارض يحجبها من غيم، أو ضباب، أو مانع آخر، معناه: إكمال الشهر القائم شعبان أو رمضان ثلاثين يومًا، فلا يحكم بأنه تسع وعشرون إلاّ بالرؤية. وهذا من شؤون العبادات التي تبنى فيها الأحكام على النص تعبّدًا، دون نظر إلى العلل، ولا إعمال للأقيسة. هذه حجة من لا يقبلون الاعتماد على الحساب الفلكي في تحديد أوائل الشهور القمرية، ولو بلغ الحساب الفلكي من الصحة، والدقّة مبلغ اليقين، بتقدّم وسائله العلمية. ونحن نقول بدورنا: إنّ كل ذلك مسلّم به لدينا، وهو معروف في قواعد الشريعة، وأصول فقهها بشأن العبادات، ولا مجال للجدل فيه، ولكنه مفروض في النصوص التي تلقى إلينا مطلقة غير معللة، فإذا ورد النص نفسه معللاً بعلّ، جاءت معه من مصدره، فإنّ الأمر حينئذ يختلف، ويكون للعلة تأثيرها في فهم النص، وارتباط الحكم بها وجودًا، وعدمًا في التطبيق، ولو كان الموضوع من صميم العبادات، ولكي تتضح لنا الرؤية الصحيحة في الموضوع، نقول: «إنّ هذا الحديث النبوي الشريف الآنف الذِّكر، ليس هو النص الوحيد في الموضوع، بل هناك روايات أخرى ثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، توضِّح علّة أمره باعتماد رؤية الهلال البصرية؛ للعلم بحلول الشهر الجديد، الذي نيطت به التكاليف، والأحكام، من صيام، وغيره. فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه، عن أم سلمة رضي الله عنها في كتاب الصيام، باب الصوم لرؤية الهلال: أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنّ الشهر يكون تسعة وعشرين يومًا». وأخرج أيضًا بعده عن ابن عمر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنا أمّة أمِّية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة (أي: طواه)، والشهر هكذا، وهكذا، يعني: تمام الثلاثين». ومفاد هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم، أشار أولاً بكلتا يديه، وبأصابعه العشر ثلاث مرات، وطوى في الثالثة إبهامه على راحته؛ لتبقى الأصابع فيها تسعًا؛ لإفادة أنّ الشهر قد يكون تسعة وعشرين يومًا، ثم كرّر الإشارة ذاتها ثانيًا دون أن يطوي في المرة الثالثة شيئًا من أصابعه العشر؛ ليفيد أنّ الشهر قد يكون أيضًا ثلاثين يومًا؛ أي: أنه يكون تارة تسعًا وعشرين، وتارة ثلاثين. هكذا نقل النسائي تفسير هذا الحديث عن شعبة عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر، رواه النسائي، وكذلك ليس هذا هو كل شيء من الروايات الواردة في هذا الموضوع، فالرواية التي أكملت الصورة، وأوضحت العلّة، فارتبطت أجزاء ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن، بعضها ببعض، هو ما أخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، واللفظ للبخاري، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّا أمّة أمِّية لا نكتب ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا»، يعني مرة تسعة وعشرين، ومرة ثلاثين، وكلهم أوردوا ذلك في كتاب الصوم. وقد أخرجه أحمد عن ابن عمر. فهذا الحديث النبوي، هو عماد الخيمة، وبيت القصيد في موضوعنا هذا، فقد علّل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمره باعتماد رؤية الهلال رؤية بصرية؛ لبدء الصوم، والإفطار بأنه من أمّة أمِّية لا تكتب، ولا تحسب، فما من سبيل لديها لمعرفة حلول الشهر، ونهايته إلاّ رؤية الهلال الجديد، ما دامالشهر القمري يكون تارة تسعة وعشرين، وتارة ثلاثين. وهذا ما فهمه شرّاح الحديث من هذا النص. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: «لا تكتب ولا نحسب»، بالنون فيهما، والمراد: أهل الإسلام الذين بحضرته في تلك المقالة، وهو محمول على أكثرهم؛ لأنّ الكتابة كانت فيهم قليلة نادرة. والمراد بالحساب هنا: حساب النجوم، وتسييرها، ولم يكونوا يعرفون من ذلك أيضًا إلاّ النزر اليسير، فعلّق الحكم بالصوم، وغيره بالرؤية؛ لرفع الحرج عنهم في معاناة حساب التسيير. أضاف ابن حجر بعد ذلك، قائلاً: «واستمر الحكم في الصوم، ولو حدث بعدهم من يعرف ذلك، بل ظاهر السياق، يشعر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً».
وقد ناقش فضيلة الشيخ هذه العبارة لابن حجر في كتابه: «العقل والفقه في فهم الحديث النبوي» فارجع إليه. والعيني في «عمدة القارئ «، قد علّل تعليق الشارع الصوم بالرؤية أيضًا، بعلّة رفع الحرج في معاناة حساب التسيير، كما نقلناه عن ابن حجر. ونقل العيني عن ابن بطال في هذا المقام، قوله: «لم نكلف في تعريف مواقيت صومنا، ولا عباداتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب، ولا كتابة، إنما ربطت عباداتنا بأعلام واضحة، وأمور ظاهرة، يستوي في عرفه ذلك الحساب، وغيرهم. وذكر القسطلاني في «إرشاد الساري شرح البخاري»، مثل ما قال ابن بطال. وقال السندي في «حاشيته على سنن النسائي»، يشرح كلمة (أمّية) الواردة في الحديث، بقوله: «أمّية في عدم معرفة الكتابة، والحساب، فلذلك ما كلفنا الله تعالى بحساب أهل النجوم، ولا بالشهور الشمسية الخفية، بل كلفنا بالشهور القمرية الجليلة «. وواضح من هذا، أنّ الأمر باعتماد رؤية الهلال، ليس لأنّ رؤيته هي في ذاتها عبادة، أو أنّ فيها معنى التعبُّد، بل لأنها هي الوسيلة الممكنة الميسورة إذ ذاك؛ لمعرفة بدء الشهر القمري، ونهايته لمن يكونون كذلك، أي: أميين، لا علم لهم بالكتابة، والحساب الفلكي. ولازم هذا المفاد من مفهوم النص الشرعي نفسه، أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وقومه العرب إذ ذاك، لو كانوا من أهل العلم بالكتاب، والحساب، بحيث يستطيعون أن يرصدوا الأجرام الفلكية، ويضبطوا بالكتاب، والحساب دوراتها المنتظمة التي نظّمتها قدرة الله العليم القدير بصورة لا تختل، ولا تختلف، حتى يعرفوا مسبقًا بالحساب، متى يهل بالهلال الجديد، فينتهي الشهر السابق، ويبدأ اللاحق؛ لأمكنهم اعتماد الحساب الفلكي. وكذا كل من يصل لديهم هذا العلم من الدقة، والانضباط إلى الدرجة التي يوثق بها، ويطمئن إلى صحتها. هذا حينئذ ولا شك أوثق، وأضبط في إثبات الهلال من الاعتماد على شاهدين، ليسا معصومين من الوهم، وخداع البصر، ولا من الكذب؛ لغرض، أو مصلحة شخصية مستورة، مهما تحرّينا للتحقق من عدالتهما الظاهرة التي توحي بصدقهما، وكذلك هو - أي طريق الحساب الفلكي -، هو أوثق، وأضبط من الاعتماد على شاهد واحد، عندما يكون الجو غير صحو، والرؤية عسيرة، كما عليه بعض المذاهب المعتبرة في هذا الحال. وقد وجد من علماء السلف حين كان الحساب الفلكي في حاله القديمة غير منضبط من قال: «إنَّ العالم بالحساب يعمل به لنفسه»، قال بهذا مطرف بن عبد الله من التاعين، ونقله عنه الحطاب من المالكية في كتابه: «مواهب الجليل». ونقل العلاّمة العيني الحنفي في كتابه: «عمدة القاري شرح صحيح البخاري»، عن بعض الحساب الفلكي كما سبق بيانه، وذكر ذلك العلاّمة ابن عابدين أيضًا في رسائله. وقال القشيري: إذا دلَّ الحساب على أنّ الهلال قد طلع من الأفق، على وجه يرى لولا وجود المانع، كالغيم مثلاً فهذا يقتضي الوجوب؛ لوجود السبب الشرعي، وأنّ حقيقة الرؤية ليست مشروطة في اللزوم، فقد اتفقوا على أنَّ المحبوس في المطمورة، إذا علم بإتمام العدّة، أو بطريق الاجتهاد، أنّ اليوم من رمضان، وجب عليه الصوم. ونقل القليوبي من الشافعية عن العبادي، قوله: «إذا دلّ الحساب القطعي على عدم رؤية الهلال، لم يقبل قول العدول برؤيته، وترد شهادتهم»، ثم قال القليوبي: هذا ظاهر جلي، ولا يجوز الصوم حينئذ، وإنّ مخالفة ذلك معاندة، ومكابرة. وواضح أيضًا لكل ذي علم، وفهم، أنّ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بإتمام الشهر القائم ثلاثين حين يغم علينا الهلال، بسبب ما حاجب للرؤية من غيم، أو ضباب، أو غيرهما، ليس معناه أنّ الشهر القائم يكون في الواقع ثلاثين يومًا، بل قد يكون الهلال الجديد متولّدًا، وقابلاً للرؤية لو كان الجو صحوًا، وحينئذ: يكون اليوم التالي الذي اعتبرناه يوم الثلاثين الأخير من الشهر، هو في الواقع أول يوم من الشهر الجديد، الذي علينا أن نصومه، أو نفطر فيه، ولكن؛ لأننا لا نستطيع معرفة ذلك من طريق الرؤية البصرية التي حجبت، ولا نملك وسيلة سواها، فإننا نكون معذورين شرعًا إذا أتممنا شعبان ثلاثين يومًا، وكان هو في الواقع تسعة وعشرين، فلم نصم أول يوم من رمضان؛ إذ: «لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا»، بنصِّ القرآن العظيم. هذا تحليل الموضوع، وفهمه عقلاً، وفقهًا، وليس معنى إتمام الثلاثين حين انحجاب الرؤية، أننا بهذا الإتمام نصل إلى معرفة واقع الأمر، وحقيقته في نهاية الشهر السابق، وبداية اللاحق، وأنّ نهاية السابق، هي يوم الثلاثين.
وما دام من البدهيات، أنّ رؤية الهلال الجديد ليست في ذاتها عبادة في الإسلام، وإنما هي وسيلة لمعرفة الوقت، وكانت الوسيلة الوحيدة الممكنة في أمّة أمّية لا تكتب، ولا تحسب، وكانت أمّيتها، هي العلّة في الأمر بالاعتماد على العين الباصرة، وذلك بنصِّ الحديث النبوي مصدر الحكم، فما الذي يمنع شرعًا، أن نعتمد الحساب الفلكي اليقيني، الذي يعرّفنا مسبقًا بموعد حلول الشهر الجديد، ولا يمكن أن يحجب علمنا حينئذٍ غيم، ولا ضباب إلاّ ضباب العقول؟.
سبب رفض العلماء المتقدمين لاعتماد الحساب!
من المسلّم به أنّ الفقهاء، وشرّاح الحديث، يرفضون التعويل على الحساب؛ لمعرفة بدايات الشهور القمرية، ونهايتها للصيام، والإفطار، ويقرّرون: أنّ الشرع لم يكلفنا في مواقيت الصوم، والعبادة بمعرفة حساب، ولا كتابة، وإنما ربط التكليف في كل ذلك بعلامات واضحة، يستوي في معرفتها الكاتبون، والحاسبون، وغيرهم، كما نقلناه سابقًا عن العيني، والقسطلاني، وابن بطال، والسندي، وسواهم. وأنّ الحكمة في هذا واضحة؛ لاستمرار إمكان تطبيق الشريعة في كل زمان، ومكان. ولكن يحسن أن ننقل تعليلاتهم لهذا الرفض؛ ليتبيّن سببه، ومبناه، مما يظهر ارتباطه بما كانت عليه الحال في الماضي، ولا ينطبق على ما أصبح عليه أمر علم الفلك، وحسابه في عصرنا هذا. فقد نقل ابن حجر أيضًا عن ابن بزيزة، أنّ اعتبار الحساب، هو: «مذهب باطل، فقد نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم؛ لأنه حَدس، وتخمين، وليس فيه قطع، ولا ظن غالب»، ويظهر من كلام ابن حجر، وابن بزيزة: أنّ العلّة في عدم اعتماد الحساب، هي: أنّ هذا العلم في ذاك الزمن مجرّد حدس، وتخمين لا قطع فيه، وأنّ نتائجه مختلفة بين أهله، فيؤدي ذلك إلى الاختلاف، والنزاع بين المكلفين. ونقل الزرقاني في شرحه على الموطأ عن النووي، قوله: «إنّ عدم البناء على حساب المنجمين؛ لأنه حدس، وتخمين، وإنما يعتبر منه ما يعرفه به القبلة، والوقت»؛ أي: إنّ مواقيت الصلاة فقط يعتبر فيها الحساب. وذكر ابن بطال ما يؤيد ذلك، فقال: «وهذا الحديث أي: حديث « لا نكتب ولا نحسب «، ناسخ لمراعاة النجوم بقوانين التعديل، وإنما المعول على رؤية الأهلّة، وإنما لنا أن ننظر في علم الحساب ما يكون عيانًا، أو كالعيان، وأما ما غمض حتى لا يدرك إلاّ بالظنون، وبكشف الهيئات الغائبة عن الأبصار، فقد نهينا عنه، وعن تكلفه». قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في معرض احتجاجه؛ لعدم جواز اعتماد الحساب: «إنّ الله سبحانه، لم يجعل لمطلع الهلال حسابًا مستقيمًا.. ولم يضبطوا سيره إلاّ بالتعديل، الذي يتفق الحساب على أنه غير مطرد، وإنما هو تقريب»، وقال في مكان آخر: «وهذا من الأسباب الموجبة؛ لئلا يعمل بالكتاب، والحساب في الأهلّة». وقد أكد هذا المعنى في مَواطن عديدة من الفصل، الذي عقده في هذا الموضوع. هذا، ويبدو من كلام شيخ الإسلام - رحمه الله -، أنه يعتبر اعتماد الحساب؛ لمعرفة أوائل الشهور القمرية من قبيل عمل العرّافين، وعمل المنجِّمين؛ الذين يربطونلحوادث في الأرض، وطوالع الحظوظ بحركات النجوم، واقتراناتها. فقد قال في أواخر الفصل الطويل، الذي عقده في هذا الموضوع: «فالقول بالأحكام النجومية باطل عقلاً، ومحرّم شرعًا، وذلك أنّ حركة الفلك - وإن كان لها أثر ليست مستقلة، بل تأثير الأرواح، وغيرها من الملائكة أشد من تأثيره، وكذلك تأثير الأجسام الطبيعية التي في الأرض»، ثم قال: «والعراف يعم المنجم، وغيره، إما لفظًا، وإما معنى، وقال صلى الله عليه وسلم: «من اقتبس علمًا من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السِّحر»، رواه أبو داود في الطب 03905، وابن ماجة في الأدب 3726، وصحّحه النووي في رياض الصالحين، رقم 1669، والذهبي في الكبائر، فقد تبيّن تحريم الأخذ بأحكام النجوم، وقد بيّنا من جهة العقل، أنّ ذلك أيضًا متعذّر في الغالب، وحذاق المنجمين يوافقون على ذلك، فتبيّن لهم أنّ قولهم في رؤية الهلال، وفي الأحكام، مراده: أحكام النجوم، أي: تأثير حركاتها في الحوادث، والحظوظ، من باب واحدة، يعلم بأدلّة العقول امتناع ضبط ذلك، ويعلم بأدلة الشريعة تحريم ذلك», وقد اشتد شيخ الإسلام - رحمه الله - على من يقول باعتماد الحساب في الأهلّة، وشنع عليه، وقال: «فمن كتب، أو حسب لم يكن من هذه الأمّة في هذا الحكم، بل يكون اتبع غير سبيل المؤمنين».
يتضح من مجموع ما تقدم بيانه، الأمور الأربعة التالية:
أولاً: أنّ النظر إلى جميع الأحاديث النبوية الصحيحة الواردة في هذا الموضوع، وربط بعضها ببعض وكلها واردة في الصوم، والإفطار، يبرز العلّة السببية في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يعتمد المسلمون في بداية الشهر، ونهايته، رؤية الهلال بالبصر لبداية شهر الصوم، ونهايته، ويبيّن: أنّ العلّة، هي كونهم أمّة أمّية لا تكتب، ولا تحسب، أي: ليس لديهم علم، وحساب مضبوط، يعرفون به متى يبدأ الشهر، ومتى ينتهي، ما دام الشهر القمري يكون تارة تسعة وعشرين يومًا، وتارة ثلاثين. وهذا يدل بمفهومه، أنه لم يتوافر العلم بالنظام الفلكي المحكم؛ الذي أقامه الله تعالى بصورة لا تختلف، وأصبح هذا العلم، يوصلنا إلى معرفة يقينية بمواعيد ميلاد الهلال في كل شهر، وفي أي وقت بعد ولادته، تمكن رؤيته بالعين الباصرة السليمة؛ إذا انتفت العوارض الجوية التي قد تحجب الرؤية، فحينئذ لا يوجد مانع شرعي من اعتماد هذا الحساب، والخروج بالمسلمين من مشكلة إثبات الهلال، ومن الفوضى التي أصبحت مخجلة، بل مذهلة، حيث يبلغ فرق الإثبات للصوم بين مختلف الأقطار الإسلامية ثلاثة أيام، كما يحصل في بعض الأعوام.
ثانيًا: أنّ الفقهاء الأوائل، الذين نصوا على عدم جواز اعتماد الحساب في تحديد بداية الشهر القمري للصوم، والإفطار، وسمّوه حساب التسيير، قالوا: إنه قائم على قانون التعديل، وهو ظنّي مبني على الحدس، والتخمين، كما نقلناه عن العلاّمة ابن حجر، وابن بطال، وابن بزيزة، والنووي، والسندي، والعيني، والقسطلاني، وكلهم قد بنوا على حالة هذا الحساب الذي كان في زمنهم، حيث لم يكن في وقتهم علم الفلك الذي كان يسمّى علم الهيئة، وعلم النجوم، أو علم التسيير، أو التنجيم، قائمًا على رصد دقيق بوسائل محكمة؛ إذ لم تكن آنذاك المراصد المجهّزة بالمكبّرات من العدسات الزجاجية العظيمة، التي تقرِّب الأبعاد الشاسعة إلى درجة يصعب على العقل تصوُّرها، والتي تتبع حركات الكواكب، والنجوم، وتسجلها بأجزاء من مئات، أو آلاف الأجزاء من الثانية الواحدة، وتقارن بين دورتها بهذه الدقة؛ ولذا كانوا يسمّونه علم التسيير، الذي يقوم على قانون التعديل؛ حيث يأخذ المنجم الذي يحسب سير الكواكب عددًا من المواقيت السابقة، ويقوم بتعديلها بأخذ الوسطى منها، ويبني عليها حسابه، وهذا معنى قانون التعديل، كما يشعر به كلامهم نفسه. من هنا كان حسابهم حدسيًا، وتخمينًا كما وصفه أولئك الفقهاء، الذي نفوا جواز الاعتماد عليه، وإن كان بعضهم كالإمام النووي صرح، بجواز اعتماد حسابهم؛ لتحديد جهة القبلة، ومواقيت الصلاة دون الصوم، مع أنّ الصلاة في حكم الإسلام، أعظم خطورة من الصوم بإجماع الفقهاء، وأشدّ وجوبًا، وتأكيدًا. وقد نقلنا آنفًا كلام ابن بطال، بأنّ: «لنا أن ننظر في علم الحساب ما يكون عيانًا، أو كالعيان ..»، وهذا ما يتّسم به، ما وصل إليه علم الفلك في عصرنا هذا من الدقة المتناهية الانضباط.
ثالثًا: إنّ الفقهاء الأوائل واجهوا أيضًا مشكلة خطيرة في عصرهم، وهي الاختلاط، والارتباط الوثيق إذ ذاك في الماضي بين العرافة، والتنجيم، والكهانة، والسحر من جهة، وبين حساب النجوم، بمعنى: علم الفلك من جهة أخرى. فيبدو أنّ كثيرًا من أهل حساب النجوم، كانوا أيضًا يشتغلون بتلك الأمور الباطلة، التي نهت عنها الشريعة أشدّ النهي، فكان للقول باعتماد الحساب في الأهلّة، مفسدتان: الأولى: أنه ظنّي من باب الحدس، والتخمين، مبني على طريقة التعديل التي بينّا معناها، فلا يعقل أن تترك به الرؤية بالعين الباصرة، رغم ما قد يعتريها من عوارض، واشتباهات. الثانية: وهي الأشدّ خطورة، والأدهى، وهي انسياق الناس إلى التعويل على أولئك المنجمين، والعرافين، الذين يحترفون الضحك على عقول الناس بأكاذيبهم، وترهاتهم، وشعوذاتهم. وهذه المفسدة الثانية، هي التفسير لهذا النكير الشديد، الذي أطلقه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - على من يلجؤون إلى الحساب، حساب النجوم في إهلال الأهلّة بدلاً من الرؤية، واعتبارهم إيّاهم من الذين يتبعون غير سبيل المؤمنين، وذلك بدليل، أنه صرّح باعتبارهم من قبيل العرافين، والذين يربطون أحداث الأرض، وطوالع الناس، وحظوظهم بحركات النجوم، وسمّوا من أجل ذلك بالمنجمين، وذكر شاهدًا على ذلك، الحديث النبوي الآنف الذِّكر، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «من اقتبس علمًا من النجوم، فقد اقتبس شعبة من السَِّحر», فلا يعقل أن ينهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن علم يبيّن نظام الكون، وقدرة الله تعالى، وحكمته، وعلمه المحيط في إقامة الكون على نظام دقيق لا يختل، ويدخل في قوله تعالى في قرآنه العظيم: «قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ»، فليس لهذا الحديث النبوي محمل إلاّ على تلك الشعوذات، والأمور الباطلة؛ التي خلط أولئك المنجمون بينها، وبين الحساب الفلكي، الذي لم يكن قد نضج، وبلغ في ذلك الوقت مرتبة العلم، والثقة.
رابعًا: أما اليوم في عصرنا هذا، الذي انفصل فيه منذ زمن طويل علم الفلك بمعناه الصحيح، عن التنجيم بمعناه العرفي من الشعوذة، والكهانة، واستطلاع الحظوظ من حركات النجوم، وأصبح علم الفلك، قائمًا على أسس من الرّصد بالمراصد الحديثة، والأجهزة العملاقة التي تكتشف حركات الكواكب من مسافات السنين الضوئية، وبالحسابات الدقيقة المتيقنة التي تحدد تلك الحركات بجزء من مئات، أو آلاف الأجزاء من الثانية، وأقيمت بناءً عليه في الفضاء حول الأرض محطات ثابتة، وتستقبل مركبات تدور حول الأرض .. الخ، فهل يمكن أن يشك بعد ذلك بصحته، ويقين حساباته، وأن يقاس على ما كان عليه من البساطة، والظنية، والتعديل في الماضي زمن أسلافنا رحمهم الله؟.
الأهلّة .. نظرة شمولية ودراسات فلكية!
العنوان السابق، كتاب لمؤلِّفه الأستاذ عدنان عبد المنعم قاضي، فسح من وزارة الثقافة، والإعلام، برقم 21219، في 13-10-1426 هـ، وكان ممن اطلّع عليه، وزكّاه، صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز، عندما كان أميراً لمنطقة المدينة المنورة، وغيره من علماء الشريعة، والفلك. وقد هدفت هذه الدراسة بمنهجية علمية فلكية، إلى إظهار ما إذا كان يوم الإعلان الرسمي لدخول شهر رمضان الكريم، وعيد الفطر، التي وضعها علماء الفلك، والشريعة المسلمون في مؤتمر تحديد أوائل الشهور القمرية، الذي انعقد في إسطنبول، في الفترة: 26-29 ذي الحجة 1398هـ، وكان من نتائج هذه الدراسة، ما يلي:
أولاً: شهر رمضان:
الفترة لهذه الدراسة، هي: 46 شهراً رمضانياً كما أعلن رسمياً، من 1 رمضان 1380 هـ، إلى 1 رمضان 1425 هـ، ولعل أول سؤال قد يتبادر إلى ذهن البعض، هو: هل أظهر الحساب العلمي الفلكي دخول رمضان قبل دخوله بطريقة الرؤية التقليدية خلال الفترة؟. لم يحصل قط أن أظهر الحساب العلمي الفلكي، أنّ رمضان كان من المفروض أن يدخل قبل إعلانه رسمياً خلال الفترة. لقد كان أهل الرؤية دائماً سبّاقين.
أ- وافقت طريقة الرؤية التقليدية المتبعة الحساب العلمي الفلكي في إعلان دخول رمضان في 6 مرات، من 46 مرة، أو بنسبة 13.04%.
ب- عارضت طريقة الرؤية التقليدية المتبعة الحساب العلمي الفلكي في إعلان دخول رمضان في 40، من 46 مرة، أو بنسبة 86.96%.
ثانياً: شهر شوال:
الفترة لهذه الدراسة، هي 46 شهر شوال، أو نهاية رمضان كما أعلن، من 1 شوال 1380 هـ، إلى 1 شوال 1425 هـ، والسؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن، هو: هل أظهر الحساب العلمي الفلكي دخول شوال قبل دخوله بطريقة الرؤية التقليدية خلال الفترة؟. لم يحصل قط أن أظهر الحساب العلمي الفلكي، أنّ شوال كان من المفروض أن يدخل قبل إعلانه رسمياً خلال الفترة. لقد كان أهل الرؤية دائماً سباقين.
أ - وافقت طريقة الرؤية التقليدية المتبعة الحساب العلمي الفلكي في إعلان دخول شوال في 8 من 46 مرة، أو بنسبة 17.39%.
ب - عارضت طريقة الرؤية التقليدية المتبعة الحساب العلمي الفلكي في إعلان دخول شوال في 38 من 46 مرة، أو بنسبة 82.61%.
ثم يقول المؤلِّف: «الآن لدينا الدليل العلمي، الذي يظهر بوضوح: أنّ طريقة تطبيق الرؤية المتبعة لـ 46 سنة فائتة، كانت طريقة تتعارض تماماً مع المنهج العلمي لعلم الفلك الحديث، وليس لها سند مادي. أيما فرد، أو أفراد يدعون أنهم رأوا الهلال في الوقت الذي يكون فيه الهلال تحت الأفق، فهم شهود المستحيل، وحينما تكون نسبة الخطأ في إدعاء الرؤية لهلال رمضان 63%، ولهلال شوال 67%، وهذا فقط لكون الهلال تحت الأفق، فإنّ الطريقة المتبعة مهما كانت لا يعتمد عليها، ويجب إعادة النظر فيها، وحتى استبدالها بما يتفق مع ما خلق الله. كما تظهر الحقائق الكونية، أنّ الفقه الذي يبررها لا يستند إلى فهم شمولي لشرع الله، ولا إلى فهم حقيقي لما خلق الله.. فالرؤية فهم لشرع الله، والحساب فهم لخلق الله، ولا يتم الوصول إلى معرفة مراد الله بفهم أحدهما، وإقصاء الآخر.. وبالتالي فإنّ المفاضلة بين الرؤية، والحساب العلمي، ليست صحيحة، وليس عليها إجماع شرعي».
خاتمة!
معالي الوزير:
بما أنّ هيئة كبار العلماء في المملكة، أصدرت قراراً برقم 108، وتاريخ 2-11-1403هـ، بجواز الاعتماد على المراصد، وأوصت بإيجاد مراصد في عدد من مناطق المملكة. وصدر قرار من مجلس الشورى برقم 11-5-18، وتاريخ 3-2-1418هـ، وأُيِّد بقرار مجلس الوزراء ذي الرقم 143، والتاريخ 22-8-1418هـ، بالموافقة على لائحة تحري رؤية هلال أوائل الشهور القمرية، وتم اعتمادها من الملك، وجاء في هذه اللائحة في المادة الثالثة، ما نصه: تقوم وزارة الداخلية بتكوين لجنة، أو أكثر حسب الحاجة، في المناطق التي تكون مظنة؛ لرؤية الهلال، تسمّى لجنة تحري رؤية هلال أوائل الشهور القمرية. وفي المادة الرابعة: تكون هذه اللجان على النحو الآتي:
1- مندوب من قِبل الإمارة رئيساً.
2- أحد طلبة العلم من غير القضاة، ترشحه المحكمة عضواً. ونصّت المادة السادسة على: تختار كل لجنة أنسب الأماكن؛ لتحري الرؤية، وفي حالة وجود مراصد تابعة لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم، والتقنية، أو تابعة للجامعات، فإنها تُعد مكاناً للتحري، وعلى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم، والتقنية، والجامعات تسهيل ذلك.
ونصّت المادة السابعة: أخذاً في الاعتبار ما ورد في الفقرتين الخامسة والسادسة من قرار مجلس هيئة كبار العلماء ذي الرقم 108، والتاريخ 2-11-1403هـ، تؤمّن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم، والتقنية، عند الحاجة مراصد متنقلة، ومناظير مكبّرة، في الأماكن التي لا تتوفر فيها مراصد ثابتة. ونصّت المادة الثامنة: تتولّى مدينة الملك عبد العزيز، والتقنية، إعداد جداول سنوية، أو أكثر، توضح مواعيد الاقتران (مولد الهلال) شهرياً، ومواعيد شروق الشمس، والقمر، وغروبهما، وموقع الهلال، وشكله في ليالي مظنة رؤيته، ويتم إرسالها إلى وزارتي الداخلية، والعدل؛ لتوزيعها على الجهات المختصة. ونصت المادة الحادية عشرة: يعتمد معدّو تقويم أم القرى في حساب أوائل الشهور القمرية على غروب الشمس قبل القمر، حسب توقيت مكة المكرمة، وتتخذ إحداثيات المسجد الحرام أساساً لذلك.
فإنني آمل من معاليكم - حفظكم الله -، توجيهكم الكريم إلى من يهمه الأمر بتطبيق القرارات، واللائحة المشار إليها، وتفعيلها على أكمل وجه، والعمل على القيام بكل ما من شأنه، أن يحقق دخول الشهر الشرعي بيقين؛ ليطمئن المسلمون على عباداتهم؛ ولأجل أنّ هذه البلاد قدوة للمسلمين، وتتابع من قِبل الدول الإسلامية فيما يصدر منها، كونها حاضنة الحرمين، ومنطلق الوحيين، ومهبط الإسلام، ومبعث الرسالة. وهذا هو المأمول من معاليكم؛ لما نعلمه من حرصكم - حفظكم الله - على إبراء الذمة، وإظهار الشرع الحنيف بالمظهر اللائق به؛ ولتستمر بلادنا في مقام الريادة، والقيادة.
(*) باحث في السياسة الشرعية
drsasq@gmail.com