هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر جهازٌ حكومي ومجتمعي مهم، تتمحور وظائفه الأساسية في القيام بتبصير الناس بأركان دينهم، وحثهم على التَّحلي بآدابه وفضائله الكريمة، من خلال برامج ومناشط التوعية والتوجيه والإرشاد، إضافة إلى مباشرة ضبط المخالفات والمنكرات والبدع، وسائر التصرفات والسلوكيات المشينة، التي تصطدم بالأحكام والقواعد الشرعية المعتبرة.
هذه المهام والوظائف على درجة عالية من الأهمية، والقيام عليها، يحتم تغليب كل أدوات الحكمة والروية والشفافية والمرونة وحُسُن الظن مع شرائح المجتمع، باختلاف أعمارهم ومشاربهم ومداركهم، بما يحفظ لهذا المجتمع أركانه القيمية والأخلاقية، دون المساس بحقوق الإنسان وكرامته وخصوصيته المكفولة له شرعاً ودستوراً.
وهناك مؤشرات إيجابية، لجهة تبني هذه المعالجة المتوازنة، من خلال العديد من برامج التدريب والتطوير والتخطيط وإعادة الهيكلة التي تستهدف إجمالاً رسم خارطة طريق واضحة تتيح للهيئة ورجال الميدان إنجاز مهماتهم، وفق قواعد محددة، وأنظمة وتعليمات واضحة، ووفق أفضل صورة وصيغة ممكنة.
ولكن خارطة الطريق هذه -في تقديري- لا يمكن أن تؤتي أُكُلها، دون تعبيد مساراتها ومنافذها، لتكون سالكة ومهيأة للسِّير عليها.. وأداة التعبيد هذه تكمن في إعادة إصدار نظامٍ ولائحة جديدة للهيئة، بغية تنشيط التنظيم المؤسسي، وتقنين وتوثيق الاختصاصات والصلاحيات، وكل الإجراءات الإدارية والتنظيمية لمباشرة مهماتها.. بما يتماهى مع طبيعة المرحلة الراهنة، والتطور النوعي والمؤسسي والهيكلي الجاري في المملكة.
النظام المعمول به حالياً: نظام قديم نسبياً، مضى على إصداره نحو 33 عاماً، وخلال السنوات العشر المنصرمة، أو أكثر قليلاً، جرى الإجهاز على نحو 9 مواد من مواده البالغ عددها 21 مادة - نحو ثلث مواد النظام- وسلخها لصالح أنظمة جهات أخرى، دعت إليها حتمية التطوير، وتقسيمات العمل العام، وتنظيمات الدولة الحديثة، بكل تفريعاتها الوظيفية والخدمية.. إضافة إلى ذلك فإنَّ النظام الحالي ولائحته التنفيذية لا يعالجان مسائل تداخل الصلاحيات، وتشابك الاختصاصات، والتي تؤثر سلباً على كفاءة الأداء، وسلامته، ودرجات التنسيق بين كل الجهات ذات العلاقة.
عليه، ووفق هذه المعطيات، ومتطلبات المرحلة المقبلة، فقد يكون من المفيد المبادرة، وبوتيرة متسارعة، إلى إعادة إصدار نظام ولائحة جديدة، تضع في حسبانها كل المسائل المشار إليها آنفاً، خاصَّة الإجراءات الإدارية والتنظيمية لمباشرة العمل الميداني.
هذا الإجراء القانوني أو النظامي المستحق، سيكون له بالتأكيد انعكاس إيجابي كبير نسبياً، على فاعلية أداء الهيئة، ومصداقيته، وشفافيته.. مثل ما أنَّه يواكب في واقع الأمر مشروعات التطوير والتجديد لأنظمة وتنظيمات العديد من الهيئات والمؤسسات الحكومية والعامة.
كما قد يُنظر إلى إيجابية هذا الإجراء لجهة تعزيز القناعة المجتمعية بأدوار الهيئة ومهماتها، في حراسة القِيم والفضائل. وللتنويه فإنَّ هذه القناعة موجودة أصلاً لدى السواد الأعظم من شرائح المجتمع السعودي، ولكن هناك رغبة بربط ذلك بصيغة نظامية محددة لمباشرة تلك الأدوار والمهمات، بما يحول دون حدوث تجاوزات أو أخطاء، تمس بحقوق الإنسان، التي كما أشرت آنفاً مكفولة بحكم الشرع والدستور.
ويبدو لي أنَّ الأجواء الراهنة ملائمة لذلك، مع تسنم معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ الدكتور: عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ قيادة هذا الجهاز المبارك في هذه المرحلة، واتخاذه العديد من القرارات والإجراءات ذات الصِّلة بتحسين وتطوير بيئة العمل الإداري والميداني، وإعادة ترتيب أدواتها وآلياتها، ورفع كفاءة وسائطها ومخرجاتها، من خلال العناية الفائقة بأدوات: صناعة القرار، وتقسيم العمل، وتوزيع المسؤوليات، وإعداد البرامج والخطط الملائمة وفق إمكانيات الهيئة ومواردها المتاحة، ووفق أولوياتها، والتنسيق بين جميع وحداتها لتحقيق المزيد من الأداء التكاملي، وتذليل المشكلات أو العقبات الناشئة أو المحتملة.
والأمل أن يظلَّ جهاز الهيئة يسهم بقوة في أداء رسالة الحِسْبة، ونشر ثقافتها، وفق أفضل صيغة وصورة ممكنة. ودعم وترسيخ قِيم الخير والوسطية، داخل بيئة وبنية المجتمع السعودي بكل تنوعه الفكري والثقافي، بمعية ومساندة مؤسسات وهيئات المجتمع الأخرى.
كلمة أخيرة
قرارات معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر الأخيرة بإعادة تشكيل بعض الوظائف القيادية في الرئاسة والفروع، وضخ دماء جديدة، على قدرٍ عالٍ من الكفاءة والدراية للتعامل بصورة أفضل مع معطيات المرحلة المقبلة، بكل متطلباتها وسياقاتها.. إضافة إلى تعميم معاليه الحازم إلى جميع مديري فروع الرئاسة بمناطق المملكة بمنع مطاردة وتعقب المخالفين أو المتهمين، لما ينطوي على هذه الممارسات من مفاسد خطرة، وعواقب وخيمة على الأرواح والممتلكات، وإضرار بطرفي المطاردة وبالأبرياء، والاكتفاء فقط بتدوين رقم أو معلومات عن المطلوب، وإبلاغ الجهات الأمنية لمتابعة القضية، بما يضمن عدم التداخل مع صلاحيات الجهات الحكومية الأخرى.. كل ذلك يصّب في اتجاه إعادة توجيه بوصلة الاهتمام والعناية بأدوات إدارة العمل الميداني وتحسين بيئته ومخرجاته.
من مأثور الحِكم: إِذا أَرَدْتَ أَنْ تَنْجَحَ في حَياتِكَ فاجْعَلِ المُثَابَرَةَ صَدِيقَكَ الحَمِيمَ والتَّجْرِبَةَ مُسْتَشَارِكَ الحَكِيمَ والحَذَرَ أخَاكَ الأَكْبَرَ والرَّجَاءَ عَبْقَرِيَّتَكَ الحارِسَةَ.
majed1149@gmail.com
تويتر@majed_jalal