رؤية جديدة، ومفاهيم مختلفة في مفهوم الاحتساب، هذه الرؤية ليست مبتكرة بل هي من صميم الدين الإسلامي، وعلى نهج أهل السنة والجماعة، شعارها: “الأمر بالمعروف بمعروف، والنهي عن المنكر بلا منكر”، هذه المفاهيم التنويرية -التصحيحية- هي ما جاءت على لسان الشيخ الدكتور عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ، الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في لقائه بكاتبات وكتاب جريدة الجزيرة وعدد من أعضاء أسرة تحريرها الأسبوع الفائت، يرافقه المتحدث الرسمي الشيخ الدكتور عبدالمحسن القفاري، وعدد من قيادات جهاز الهيئات. إذ يرى رئيس الهيئة أن مفهوم الاحتساب ليس محتكرا على جهاز معين بل إنه واجب على جميع المسلمين، كما أنه لا يتوقف على المخالفات الأخلاقية السلوكية الشكلية، إنما يضم آل الشيخ تحت مفهوم الاحتساب معظم القطاعات بما فيها وسائل الإعلام، وهنا تظهر صورة جديدة للعلاقة ما بين وسائل الإعلام وجهاز الهيئة، بعد أن تراكمت النفوس لما يقارب العقدين بالشد والجذب ما بين تكذيب جهاز الهيئة لمعظم ما تنشره الصحافة، وتعزيز مفهوم خاطئ لدى فئات كثيرة بالمجتمع تدور حول أن نقد الهيئة هو نقد للدين الإسلامي وأن رجل الحسبة لا يُحاسب، وأن الرجال العاملين في هذا الجهاز معصومون عن الوقوع في الأخطاء! وهذا الفكر ينافي الشريعة الإسلامية جملة وتفصيلا، لأن الله -سبحانه وتعالى- خص الأنبياء والرسل -عليهم السلام- بالعصمة وحدهم، وسواهم لا يُمكن أن يُساوى بهم، والمطلوب هو الاعتدال في محبة البشر دون غلو، واحترام الناس واجب ديني وأخلاقي، ويدخل ضمن هذا الاختلاف حول بعض الرؤى أو الأطروحات، وتقديم النقد البناء دو كذب ولا تضليل ولا تزوير. وهنا دور الإعلام ليس مع جهاز الهيئة فحسب، بل مع كل القطاعات وجميع الناس دون استثناء.
وترتبط الإشكالية القائمة ما بين وسائل الإعلام وجهاز الهيئة بالشد والجذب الذي حصل على مدى سنوات، مما أحدث فجوة كبيرة إذ كل طرف يوجه التُهم إلى الآخر، أضف إلى هذا ما يتضمنه ذلك الصراع من تشويه للإعلام والكتاب يقوم به بعض الأشخاص ممن يعتقدون أن نقد جهاز الهيئة هو بغض لها، وأن هذا النقد ليس له سوى هدف تشويه القائمين على جهاز الحسبة، قد يصل إلى أبعد من هذا ألا وهو إزالة هذا الجهاز برمته، وأجزم أن معظم الأقلام التي تعرض الأحداث السلبية الصادرة عن هذا، أشخاص من منسوبي هذا الجهاز، هي أقلام تبحث عن الحق ولا تقبل بظلم الإنسان، وهنا كان اعتراف الدكتور آل الشيخ بالتجاوزات وهو أول من لا يقبلها، وهذا بحد ذاته ينم عن إيمان عميق لدى هذا الرجل بإحقاق الحق وإبطال الباطل، بدليل ما قام به مؤخراً من فصل عناصر متسلطة على البشر، لأن هذا التسلط ينافي الأمانة الدينية والوطنية والإنسانية.
الدكتور آل الشيخ لا يريد أن تكون علاقة الناس بجهاز الهيئة علاقة مبنية على الخوف، لأن الخوف لا يكون إلا من الخالق -عز وجل- ولا يريد أن تكون العلاقة بين جهازه والإعلام علاقة متوترة بل إنه يؤكد على ضرورة التعامل بمبدأ الشفافية والصدق بين الجهتين، والأهم في هذه العلاقة التكامل والذي بدأ من حضوره إلى مبنى جريدة الجزيرة الأسبوع الفائت ليلتقي بمنسوبيها لأجل تكامل هذه العلاقة.. ونظرا لأن المساحة المتاحة لي قد انتهت، وما زال في جعبتي المزيد، فسأكمل معكم يوم غد بإذن الله.. ألتقي وإياكم على خير.
www.salmogren.net