تساؤلات كثيرة مبهمة ويشوبها شيء من الغموض ما زالت تُطرح حول مستقبل شعوب استطاعت وفي غفلة من الزمن أن تنتصر بذاتها على سلبية أوضاعٍ تراكمت عبر عقودٍ من الزمن..! ماذا بعد..؟ وإلى أين..؟
لا جدال في أن كل هذه الشعوب التي تحركت في مختلف مساحات جغرافية المنطقة العربية استطاعت أن تندمج مع نفسها اندماجاً مذهلاً بعد استفاقة من إغماءة زمن اللا وعي المُجبَرة عليه إلى زمن الوعي بإرادة الذات والأنا الجماعية...فتمكنت من إزالة حالة الانفصام التي عانت منها...
لتتحول وبإرادة غير معهودة من كَمٍ مُغَيبٍ مهمل إلى كَمٍ مُتَحدٍ فاعل..خلع ثياب التخفي وانطلق إلى الشوارع والميادين بكل جسارة وصمود غير عابئ بأنظمة اعتقدت في يوم من الأيام بأنها استطاعت أن تحاصره وتقبض عليه بقبضة المهيمن المستبد.. تشرّد قواه الفاعلة وتستلب حقوقه وتنهب ثرواته ليقتات على فتات الموائد.
وفي ظل الامتداد الثوري الجارف والذي لم يُشهد له مثيل عبر كل ثورات التاريخ القديم والحديث تمر مصر بمرحلة مخاضٍ سياسي عسير.. فبعد أن حقق الثوار ما لم تحققه ثوراتٌ تقليدية المنهج أوجد غياب القيادة وانقسام النخب والأحزاب السياسية فجوة واسعة ومتباينة بين الفعل الثوري والاتجاه السياسي الذي برز كمعضلة تقف عائقاً أمام اكتمال نجاح ثورة شباب مصر.
المتأمل لخريطة الواقع المصري بعد سقوط النظام السابق يدرك تماماً مدى وعورة الطرق والمسالك المؤدية إلى استقرار هذا البلد... فالمشهد المصري يبدو أكثر ضبابية بعد أن دخلت العملية السياسية أطواراً متقدمة وشائكة... وذلك على خلفية الانتخابات وما تمخض عنها من تنافس بين القوى الحزبية على اختلاف مسمياتها... واحتدام النزاع حول صياغة الدستور فضلاً عن الحكم الصادر بحق الرئيس السابق والذي سكب مزيداً من الزيت على الأرض المشتعلة... وباتت الاتهامات المتبادلة قاسماً مشتركاً بين القوى المتنافسة على كرسي الرئاسة.
ويبدو أن المشهد الثوري في مصر يفضي إلى مزيد من المشاهد الجديدة وغير المتوقعة... فتلاحق الأحداث وتعقد الحسابات في ميزان الأحزاب المتنافسة وحالة الفوبيا التي تعيشها هذه الأحزاب صعّدت من المواجهة بين كل الأطراف الفاعلة على أرض الواقع.. لتظل السيناريوهات المختلفة والمتناقضة غير واضحة المعالم.. وتطرح مزيداً من علامات الاستفهام حول من يمتلك القدرة على القيادة ويُخرِج مصر من المأزق الذي تمر به.
فإذا كانت ثورة مصر الشبابية قد استطاعت أن تتخطى أولى عتبات التغيير والمتمثلة في إسقاط الرئيس السابق من خلال شلالٍ ثوري لم يتوقف حتى تحقق الهدف.. فإن المرحلة الانتقالية هي الأكثر أهمية في تاريخ مصر باعتبارها الجسر الذي شيّده شباب الثورة للعبور نحو الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية ومجابهة الفساد والاستبداد وترجمة ولاء الانتماء للوطن.
مليونيات الثورة المصرية المتعطشة للاستقرار.. ما هي إلا عبقرية تاريخية فذة ولدت من رحم تراكمات طويلة المدى لتمثل تأكيداً وشحذاً للعزم والإصرار لشباب انتفضوا في ثورة قادتها الأنا الجماعية بكل شرائحها وأطيافها وفئاتها العمرية لتكون الثورة هي السلطة وتكون السلطة هي جماعية إنسان دُفنت آماله وأحلامه عقوداً من الزمن... مرحلة انتقالية وزمن جديد ولحظة تاريخية فارقة تفصل ما بين عصرين متباينين عصر سابق وعصر قادم تشهدها أرض الكنانة بعد بزوغ زمن الثورة الشبابية وتفعيلها على أرض الواقع العربي... لكن يبقى هناك جهد كبير ينتظر شباب وقوى الثورة لتسير المرحلة الانتقالية سيراً سلساً حتى تبلغ المراد وتصل إلى مرحلة الارتقاء عندها سيكون الحكم فيها للتاريخ إما لها أوعليها.
zakia-hj1@hotmail.com