|
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
- بنت الأعشى -
كتب الأستاذ خالد بن حمد المالك كتابه (رؤيتي الصحافية) سرد فيه سرداً مفصلاً رؤيته الذاتية للصحافة السعودية، منذ أيام شبابه ويفاعته حتى أشده العامرة، وقد تتبع فيه أهم المؤثرات التي أسهمت في تكوين رؤيته الفكرية للصحافة السعودية، كما أسهب في الحديث عن العوامل الصحفية التي تركت طابعها على شخصيته الصحافية، وهي شخصية فذة فريدة ذات قامة ولها ثقل ووزن، كما عرض محاور مفصلة في تاريخه الصحفي ممثلة في التحول من الإصدار الأسبوعي إلى الإصدار اليومي ثم تقديم الإصدار المسائي، كما صاحب هذه التجربة الناجحة تخريج كوادر صحفية قيادية، كما عرج على مغادرة محبوبته الجزيرة في أوج نجاحها، ليعود إليها كذي الشوق القديم، وهو يلهج مترنماً بقول الشاعر الأول:
نقِّل فؤادك حيث شئت من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الهوى
وحنينه أبداً لأول منزل
ثم يكسب الأستاذ خالد المالك الرهان مرة أخرى فإذا به يقود صحيفته في أقل من عشر سنوات لتصبح في الصدارة مرة أخرى، وتقدم ريادة جديدة، تعكسها أرقام التوزيع والاشتراكات وجوائز التميز الرقمي، أفضل طباعة في آسيا، وجوائز الصحافة العربية وغيرها مما يتناوله رمز من رموز الصحافة العربية وهو الأستاذ الكبير خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة، فهو سفير أدب وثقافة وصحافة مثل الجزيرة ورفع اسمها بين مصاف الصحف العربية المشهورة..
نفس عصام سودت عصاما
وعلمته الكر والإقداما
وصيرته بطلا هماما
حتى علا وجاوز الاقواما
ثم هو من الرواد الذين يشار إليهم بالبنان، بل هو من ألمع الرواد الذين لمعت أسماؤهم في تاريخ الصحافة السعودية، فقد رهن خبرته وطاقاته وملكاته لمعشوقته الجزيرة، فجاء ذكرها على كل لسان وشفة وما زالت وستزال إن شاء الله تعالى.
إنه الشمعة التي أضاءت معتم الدياجير بحنكته وحكمته وتجربته، أعطى المالك كأفضل ما يكون العطاء، وبذل كأمثل ما يكون البذل، يتصدر الكتاب إهداء جميل فيه سمة الوفاء، فهو يهدي الكتاب لزوجه ورفيقة دربه الدكتورة الفاضلة سلوى بنت صالح الزامل، ويسطر فيه المالك معاني جميلة من الاعتراف بفضل هذه المرأة التي اعتمد عليها بعد الله في مشوار حياته الرائد الصاعد، يقول في التفاتة جميلة:
(إليها أهدي بعض ما كتبته اختلاساً من وقت كان ينبغي أن أعطيه لها، وأن أوظفه لصالح حياتنا الخاصة وأن أمنحه لعالمنا الجميل مع أولادنا).
هذا وقد قدم الدكتور كلوفيس مقصود للكتاب بمقدمة رائدة ذائعة جاء فيها: (رؤيتي الصحافية عنوان أقل من مضمون الكتاب، أبدأ بهذه الملاحظة لكون خالد المالك طالب أن تكون أية مراجعة للكتاب موضوعية، بمعنى أنه ترخيص من قبل المؤلف للناقد، أو في حالتي المقدم لهذا الكتاب القيّم أن يعلن رأيه بوضوح لذا فمجرد اقتصار العنوان على (رؤيتي الصحافية) فيه نقص، كونه لا يشير بالقدر الكافي إلى محتوى الآراء والتحاليل التي تنطوي عليها هذه المجموعة من محاضرات وكلمات للمؤلف في مناسبات عدة، في هذا الكتاب يجد القارئ منهجاً جدلياً يستبق فيه هذا الصحافي الكبير انتقادات محتملة فيرد عليها من خلال أسلوبه الشيق والتزامه بضرورة الشفافية وكذلك إصراره على المساءلة حتى وإن لم يتوافر للمساءلة أسباب... لذا كلما أمعنت في قراءة الصفحات القادمة أدركت أنك بـ اللاوعي مساهم في صياغة النص، بمعنى آخر، يحاول خالد المالك استدراج القارئ إلى مدرسة في الإعلام تجعله يدرك أن الرؤية هي في عناصرها وأسلوب إخراجها وسياق تسلسل الأفكار فيها وتعبيره عن أحاسيس مرهفة وبتلخيصات اقتناعاته أن رؤيتي هي أحد المداميك في بنيان مدرستي الصحافية) وفي حديث عذب سلسبيل يقول الدكتور كلوفيس مقصود: (وفي كثير من هذا الكتاب الصغير حجماً والكبير معنى تجد انطباعات رائعة تبدو كأنها صادرة عن نظرة فلسفية مطمئنة عندما يعلن أن الحياة هنا تعد بمثابة صندوق تجارب غنية بما يحسن أن يقال عنها، وخزائن نفيسة بالذكريات الرائعة وهي باختصار فيها ما فيها من العطاءات الجميلة ونقيضها).
وفي استهلالة الكتاب يقول المؤلف -حفظه الله- ما نصه: (فاجأني مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية حين طلب مني أن أكون بينكم هذا الصباح «ضيفاً شرفياً» في الدورة التي ينظمها معهد الفيصل لتنمية الموارد البشرية عن فن التحرير الصحفي وأن تكون مشاركتي في الدورة بإلقاء محاضرة عن تجربتي الصحافية، كانت المفاجأة سارة بالنسبة لي ولا شك؛ إذ مكنني الدكتور يحيى بن جنيد الأمين العام للمركز من أن ألتقي بكم لأحدثكم عن تجربتي الصحافية وأن أقول لكم شيئاً -ربما- أفادكم وأن أستمع منكم إلى ما قد يفيدني في عملي ويضيف جديداً إلى خبرتي وتجربتي الطويلة في هذا الميدان، أريد بداية أن أصارحكم بأن أصعب شيء من وجهة نظر شخصية أن يتحدث المرء عن شخصيته وعن تجربته بنفسه فهو يظلم نفسه، -أولاً- إن هو تحدث عنها بما قد لا يرتاح لمن يستمع إليه، انطلاقاً من اقتناع مؤداه أن هناك من لا يتفق مع ما سيستمع إليه عن هذه التجربة أو تلك مهما حاول صاحبها أن يكون أميناً وصادقاً في نقل صورة عنها) ثم يسترسل المالك في حديثه قائلاً: (وهو يظلم نفسه -ثانياً- إن هو أحاط نفسه بمجموعة من المحاذير التي قد تجرد تجربته من حقائقها ومضامينها الواقعية، فلا يقول عنها ما ينبغي أن يعرف بها وعنها من يهمه أن يكون قريباً منها)، وعن الأدوار التي يشغلها المالك في حياته الصحفية يقول: (كانت صحيفة الجزيرة حين انضمامي لها من غير رئيس تحرير وكان زميلنا الأستاذ راشد الفهد الراشد يمارس عمل رئيس تحرير الصحيفة بالتكليف وراشد له اهتمامات رياضية وممن شارك في تأسيس نادي النصر في بداياته بعمله سكرتيراً عاماً للنادي، وهو ما سهَّل عليَّ إقناعه بإصدار ملحق رياضي أسبوعي تحت إشرافي بعد مضي أسابيع قليلة على صدور القرار بتعييني محرراً رياضياً بالصحيفة).
وأخيراً وليس آخراً: كان هذا الكتاب أكثر من كونه نغماً، أو صوتاً وطنياً، كان يغني للصحافة السعودية، ففي عالمنا الصحفي الرحب نجوم كأمثال المالك أشعلت حب الصحافة في قلوبنا بكل قيمة حسنة جميلة في هذا الوقت الذي تاجر فيه البعض بفن الصحافة ورسالتها السامية.
جاء هذا الكتاب وما فيه من حنكة وحكمة وتجربة ليبث الرأي المستنير والمبدأ الوثير فلله دره.