عندما نقارن وضع المرأة المسلمة في فرنسا بوضعها في الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن وضعها في الأولى هو الأسوأ في العالم الغربي كله، ففرنسا التي يقال إنها بلاد الحرية الديموقراطية، والتي انطلقت منها الثورة الفرنسية التي قيل إنها قامت على الدعوة
إلى المبادئ الثلاثة والمتمثلة في الحرية والعدالة والمساواة تعتبر من أقل البلدان الغربية تسامحاً مع المسلمين، ولا شك أن المبدأ الأول من مبادئ الثورة وهو الحرية قد تعرض للتشويه والتحجيم، وخاصة مع المسلمين الذين يشكلون الدين الثاني في البلاد بعد النصرانية، فعددهم يصل إلى ستة ملايين شخص، فقد صدر قانون يمنع المرأة المسلمة من أن ترتدي الحجاب في الأماكن العامة، وتعرض الكثير من المسلمات للمضايقات والطرد من أعمالهن بسبب تلك القطعة من القماش التي تضعها على رأسها والتي تعتبر جزءاً من دينها، وهو قرار رأى فيه الكثيرون تعسفاً، وخروجاً على مبادئ الثورة الفرنسية، وعلى أبسط حقوق الإنسان، أما في الولايات المتحدة الأمريكية التي يشكل فيها الإسلام كذلك الدين الثاني حيث يتجاوز عدد المسلمين فيها الثمانية ملايين نسمة، فلا يوجد فيها قوانين تمنع لبس الحجاب، فحرية الناس مكفولة، وخاصة الحرية الشخصية المتعلقة باللباس والطعام، والاستهلاك والحركة واختيار العمل، وفيها قوانين إذا فُعِّلَت بإخلاص وحياد فإنها تنصف المظلومين، وتقيم العدالة، وتعيد الحقوق إلى أصحابها، ولعل في قصة المسلمة سوزان بشير أكبر دليل على إنصاف المرأة المحجبة وإعطائها حقوقها، وإن كان عامة الناس قد يضايقون المحجبات، ويضايقون المسلمين، وقد كتبت عن ذلك تحت عنوان (المحجبات في بلاد الحرية الديموقراطية) في عدد سابق من أعداد صحيفة الجزيرة، وسوزان بشير التي تبلغ من العمر 41 عاماً هي سيدة أمريكية وأم متزوجة كانت تعمل في شركة الاتصالات العملاقة أي تي أند تي (Atالجزيرةt) فرع ساوث ايسترن، وكان عملها (فنية شبكات), بدأت العمل باعتبارها سيدة أمريكية ومواطنة نصرانية، وكانت مؤهلة ومحبوبة من قِبل مديريها والموظفين الذين يعملون معها، إلا أن كل هذا تغير بعدما اعتنقت سوزان بشير الإسلام في عام 2005م وبعد أن بدأت في ارتداء الحجاب، فقد بدأ الإداريون والموظفون معها بالقسم في ممارسة الضغوط عليها، ورشقها بالعبارات الجارحة مثل الإرهابية!! وما شابهها من الألفاظ الجارحة، أو القول لها بأنها هالكة في النار بسبب تغيير دينها، وتطور الأمر إلى أن أحد المديرين الأعلى منها في الدرجة الوظيفية كان يأمرها بخلع الحجاب، حيث كان يغيظه تمسكها به، وكان دائما ما يهينها أمام زملائها في القسم، وبلغ به الصلف والغرور أن تمادى في إحدى المرات وأخذ يشد حجابها محاولا نزعه من على رأسها أومزيقه، وقد ذكرت ذلك في شكواها التي رفعتها إلى قسم الموارد البشرية، وإلى لجنة تكافؤ الفرص في الشركة تشتكي فيها من السلوك العدائي، والتمييز العنصري ضدها, ولكن ذلك القسم لم ينصفها، وانتهى الأمر بها إلى أنها فـُصلت من عملها في عام 2010م.
كان لهذا الحادث المؤلم والمشين أثره البالغ في نفس سوزان بشير مما دفعها إلى أن ترفع دعوى في محكمة عامة في مقاطعة جاكسون، استقبلت المحكمة دعواها، وكونت لها هيئة محلفين، واستمعت إلى مرافعات القضية، واستمعت إلى الشهود، وإلى الأدلة المختلفة حول القضية، وهنا وجدت سوزان بشير الإنصاف الذي لم تجده في إدارة الموارد البشرية في الشركة، وفي نهاية المحاكمة صدر الحكم بأن تدفع شركة الاتصالات الكبيرة لسوزان بشير المرأة المسلمة المحجبة مبلغاً مقدراه خمسة ملايين دولار، تعويضاً لها عن الأضرار النفسية والمعنوية والمادية التي لحقت بها، يضاف لها مائة وعشرون ألف دولار عن الأضرار الجانبية التي تعرضت لها، وإزاء هذا الحكم المنصف لا يسع أي منصف سمع عن القضية وتابع أحداثها إلا أن يقول (يحيا العدل)، وتسقط العنصرية والعصبية أياً كان مصدرها، وهذا ما ينادي به الدين الذي رضيت سوزان بشير أن تعتنقه؛ فالله سبحانه وتعالى يقول {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} صدق الله العظيم.
zahrani111@yahoo.com- أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإمام