رغم أن الإخوان المسلمين وحزبهم السياسي «الحرية والعدالة» يتكؤون على ثمانين عاماً من العمل السياسي والدعوي والاجتماعي، إلا أنهم أضاعوا فرصة ذهبية للإمساك بزمام الأمور في مصر.
ومع أنهم تعاملوا بأسلوب تكتيكي جيد في بداية الثورة المصرية، إذ التحقوا بها بعد انطلاق قطار ثورة 25 يناير، وحصدوا أكثرية مريحة في الانتخابات البرلمانية، وقبل ذلك قناعة شعبية تمثلت في رغبة أغلبية الشعب المصري في إعطائهم فرصة الحكم، إلا أن كل ذلك أضاعه «جشع» السلطة، عندما قفز الإخوان إلى أبعد ما يريده المصريون محاولين إحراق المراحل، فبدلاً من «المشاركة» اعتمدوا نهج «المغالبة»، فبعد اعتقادهم أن لهم الغلبة على جميع الجماعات والأحزاب السياسية تخلوا عن وعودهم بإشراك القوى السياسية في قيادة مرحلة ما بعد الثورة، فجرى تهميش شباب الثورة، وتجاوزوا أحزاباً سياسية عريقة، وحاولوا إقصاء رموز وطنية تحظى باحترام وتقدير المصريين.
الإخوان المسلمون لم يستفيدوا من تراثهم التنظيمي والسياسي فحسب، بل لم يستفيدوا من تجارب شركائهم في التنظيم الدولي، فلم يستمعوا إلى نصائح إخوان تونس «حزب النهضة» وقبله إخوان تركيا «حزب العدالة والتنمية» الذي قدم رئيسه رجب طيب أوردغان وصاياه لإخوان مصر من باب مشاركة المصير، كونهم جميعاً يعملون تحت مظلة التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
فإخوان تركيا احتاجوا إلى أكثر من عشر سنوات حتى يستكملوا برنامجهم السياسي، ودخلوا في مشاركة مع جنرالات تركيا ومع الأحزاب القومية وحتى الليبرالية حتى استطاعوا أن يصلوا إلى السيطرة على مجلس النواب ورئاسة الحكومة والدولة. أما في تونس فدخل الإخوان في شراكة مع الليبراليين والقوميين وحتى الشيوعيين، فاكتفت «النهضة» رغم حصدها الأغلبية في الجمعية التأسيسية برئاسة الحكومة، ودعمت المنصف المرزوقي القومي اليساري ليحصل على رئاسة الجمهورية.
هذه المشاركة التونسية، والتدرج التركي وكلاهما ينتميان للإخوان المسلمين لم يأخذ بهما إخوان مصر الذين ضربوا بنصائح راشد الغنوسي التونسي وأوردغان التركي عرض الحائط، وفرضوا المغالبة فيسيطروا على المفاصل الرئيسة للدولة المصرية من خلال رئاستي مجلس النواب والشورى، ومحاولة الإطاحة بالحكومة للسيطرة عليها وإدارتها من قبل قيادييهم، وحاولوا السيطرة على اللجنة التأسيسية لوضع الدستور التي أسندوا رئاستها لرئيس مجلس الشعب الدكتور سعد الكتاتني مع أغلبية طاغية لنوابها وحلفائهم من حزب النور قبل أن يعاد تشكيلها، ومرة أخرى غلب على التشكيل الإخوان وحلفاؤهم من التيار الإسلامي وكان متوقعاً أن يرأسها أحدهم. وبما أن مرشحهم محمد مرسي أحد المنافسين في انتخابات الرئاسة والذي كان محتملاً أن يفوز بهذا المنصب ليكون الإخوان قد سيطروا على كل شيء، وهذا ما لم يقبل به المصريون حتى وإن كان البعض يتوقع أن يتقبل الأمر الواقع. وفي الوقت الذي كان الإخوان المسلمون ينتظرون حصد المكاسب واجهتهم المحكمة الدستورية التي ثبتت الفريق أحمد شفيق كمنافس قوي في انتخابات الرئاسة، وحلَّت مجلس الشعب مما جرد الإخوان من أهم مكتسباتهم، فحل البرلمان يلغي قرار تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور ويفتت أغلبيتهم البرلمانية ويضعِّف من موقف مرشحهم محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، وهو ما يجردهم من أي مكاسب كانوا سيحتفظون بها إن هم قبلوا المشاركة، ولكنهم فضلوا المغالبة ليفقدوا كل شيء...!!
jaser@al-jazirah.com.sa