الرجال الكبار لا يموتون وإن ووروا تحت الثرى. من يقرأ تاريخ سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - لا يمكن إلا أن يلحظ بوضوح أنه كان أحد أركان الاستقرار في هذه البلاد، ودعامة من دعائم الأمن والرخاء الذي ننعم فيه، ونعيش في ظلاله. التحديات العظيمة التي واجهها سموه أثناء توليه مسؤولية الأمن في بلادنا كانت متعددة، ومتلاحقة، وأيضاً متشابكة ومعقدة، يتداخل فيها الخاص بالعام، والخارج بالداخل، لكنه واجهها بكل حكمة وحصافة وحزم، في بلد مترامي الأطراف، تحيط به ست دول فضلاً عن سواحل تمتد لآلاف الأميال، وفي منطقة لا تنتهي من أزمة إلا وتبدأ فيها أزمة، ورغم كل ذلك كانت بلادنا بفضل الله ثم بفضل جهوده - رحمه الله - واحة أمن وأمان ورخاء، تتجول في أنحائها، وفي طرقاتها، وفي صحاريها، ولا يخطر ببالك الخوف أو الخشية. كان الأمن والأمان أحد أهم منجزات هذه البلاد منذ أن وحد هذه البلاد الوالد الموحد العظيم رحمه الله، واستلم مسؤوليتها من بعده أبناؤه، وكان الأمير نايف هو المسؤول الأول عن الأمن الداخلي في أشد الأزمات وأصعبها، ومع ذلك استطاع أن يتجاوزها، وأن يعبر بنا وبأمن هذه البلاد إلى شاطئ الأمان، فكان نعم الرجل وكان إنجازه نعم الإنجاز.
الإرهاب كان أعقد مشكلة وأكثرها صعوبة واجهت سموه رحمه الله كوزير داخلية. كانت مشكلة بالفعل عويصة، ومعقدة ومتشابكة، وكانت كفيلة بهز استقرار أية دولة، خاصة وأنها كانت تمتطي الدين، وتدعي الإصلاح، وتزايد على شرعية هذه البلاد، ومع ذلك استطاع أن يتعامل معها تعامل الرجل الحكيم، والحازم، فلم تكن مزايدة هؤلاء الإرهابيين الدينية تثنيه عن مسؤولياته، ولا تهز من صرامته وحزمه، فقد كان في قاموسه خطوط حمراء يتمحور حولها الأمن والاستقرار في البلاد، لا يسمح لكائن من كان أن يمسها، قد يتسامح وقد يبدو حليماً في أحايين كثيرة، لكنه بمجرد أن تصل إلى المساس بالأمن والاستقرار يتحول إلى سيف قاطع وقرار صارم، ولعل هذه السمة بالذات قد ورثها وتعلمها من والده الملك عبدالعزيز رحمه الله.
وحينما اقترف ابن لادن وزمرته وقاعدته جرائمهم في الخارج، و(تعولم الإرهاب)، حاول الأمريكيون بكل قوة وضغط أن يُشاركوا في التحقيقات مع الإرهابيين داخل المملكة، وضغطوا بكل قوة، غير أنه وقف لهم ولمحاولاتهم بالمرصاد. فقد اعتبر أن أمننا ومسؤوليات التعامل معه، مسألة سيادة، ولا نقبل لأيٍ كان أن ينتهك سيادتنا؛ ولم يتزحزح - رحمه الله - عن موقفه هذا ولو سنتيمتر واحد رغم محاولاتهم، ورغم حملاتهم. وقف وقفة الرجل المؤمن بربه، ثم بإمكاناته وقدراته، فاستطاع أن يُحجم الإرهاب، وأن يكبح جماحه، وأن يفرغ ثقافته من محتواها، وأن يجفف مصادر تمويله، حتى يكاد اليوم أن يصبح أن يكون نسياً منسيا، بعد أن كان كثيرون يعتقدون أن التخلص منه، ومن مخرجاته، في بلد كالمملكة، وبثقافة المملكة، وفي حجمها، تحتاج عقود وعقود من الزمن؛ غير أنه أثبت أن الرجال العظماء لا بد أن تُذعن لهم التحديات مهما بدت للآخرين ضخمة وكبيرة.
نَم أيها العظيم قرير العين، فقد شيدت مؤسسة أمنية أمجادها وإنجازاتها تكاد أن تعانق السحاب، وسوف نعيش في ظلالها وخيرها واستقرارها، ويعيش فيها أبناؤنا وأحفادنا، وسنبقى نحن وأبناؤنا وأحفادنا نفاخر بك وبما تركته لنا من أمن واستقرار. رحمك الله، وأجزل لك الأجر والثواب من عنده.