|
يشكل رحيل صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية يرحمه الله خسارة أليمة وفاجعة كبيرة ومفاجأة ألمت بنا جميعاً، لم لا والأمير نايف جسد بحق شخصية وطنية وسياسية استثنائية أثرت بشكل فعال في مسيرة التنمية في بلادنا الغالية في العديد من الأصعدة وعبر أكثر من اتجاه، ساعده في ذلك مجموعة من الخصائص الفريدة والمتميزة التي قلما تجتمع لدى الآخرين، فلقد جمع يرحمه الله بين الحلم والحزم، الإنسانية والصرامة وامتلك نظرة ثاقبة وظفها بتدبر وعناية في معالجة الأمور ووضعها في نصابها الصحيح، فاستطاع بكل اقتدار أن يصنع التوازن المطلوب في الإدارة والسياسة بمعيار الحكمة التي من أوتيها أوتي خيراً كثيراً.
لذا لم يكن مستغرباً أن يقفز إلى الأذهان حين تحضر شخصية الأمير الفقيد قائمة طويلة من الإنجازات التنموية الضخمة التي سيسطرها التاريخ بمداد من ذهب، فأعطى يرحمه الله مفهوماً مختلفاً لتحمل مسؤولية الأمن، وذلك من خلال إدراك شامل لأساليب تحقيقه، منطلقاً في ذلك من حرص سموه يرحمه الله على خدمة دين الله العظيم وظهر ذلك جلياً في رعايته رحمه الله للعديد من المحافل التي تعنى بحفظ كتاب الله العزيز، أو عبر تخصيصه لجائزة قيمة تهتم بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، أو من خلال دوره في خدمة الحج والحجيج، إذ وضع وأشرف وتابع سنة بعد أخرى الخطط لإنجاح مواسم الحج بالصورة اللائقة. كما كان لدعمه لحملات الإغاثة لمحتاجيها وفق أسس دقيقة ومنضبطة، علامة بارزة في رغبة سموه الأكيدة في الاهتمام بشؤون المسلمين وقضاياهم.
ولأن الأمن مرتبط بشكل وثيق بتأمين سبل العيش الكريم للمواطن، فقد كان سموه يتلمس بمهارة فائقة احتياجات المواطن السعودي ويرفع من قيمته وشأنه، حيث أعطى الأمير نايف يرحمه الله أولوية خاصة لتطوير القدرات البشرية وجاءت جائزة سموه (للسعودة) لتؤكد هذا المعنى، كما كان لاهتمامه يرحمه الله بالشباب مؤشر مهم لتحقيق العيش الكريم، وتجلى ذلك في دعم سموه يرحمه الله في دعم مؤسسات التعليم في بلادنا بما في ذلك الجامعات، وحضور مناسباتها وتشجيع القائمين عليها لتحقيق المزيد من التطور والنجاح لما فيه خير الوطن، كما تجلى اهتمامه بالشباب عمله الحثيث على حمايتهم من الآفات الفكرية والسلوكية ، حيث تجسد ذلك في أكثر من جانب من بينها دعمه للكراسي البحث المعنية بالفكر، وترؤسه للجنة الوطنية لمكافحة المخدرات خير شاهد على ذلك، والشواهد في هذا كثيرة.
ملفات عديدة وهامة في مصلحة الوطن والمواطن أشرف عليها الأمير نايف وأبهر العالم أجمع بقدرته على التعامل معها بنجاح كبير، ويكفي أن نشير في هذا الصدد إلى إشرافه المباشر في التعامل مع ملف الإرهاب محلياً ودولياً التي استطاع من خلال تجنيبه المملكة شرور الحاقدين وكيدهم أن يحظى بإعجاب المراقبين في جميع أنحاء العالم، ولم يكتف بالمواجهة الميدانية التي قطعت دابر الشر، وإنما قارع الفكر الضال بالفكر السوي، وذلك من خلال منهج المناصحة التي شكلت أسلوباً رائداً وفريداً في إعادة الشباب الذين غرر بهم إلى جادة الصواب.
واهتم سموه يرحمه الله بملف الحدود، دليل آخر على جهوده الكبيرة يرحمه الله في سبيل تأمين الجبهة الداخلية من خطر التهريب سواء للأسلحة، أو المخدرات أو الإرهابيين، واستطاع بحنكته أن يومن هذا الجانب وفقاً لأفضل أساليب الحماية الدولية باستخدام أكثر المعدات والأجهزة دقة القادرة على تحقيق ذلك.
ولم ينحصر تميز الأمير نايف بن عبد العزيز بما أنجزه داخلياً؛ بل إن حضوره على المستوى الدولي كان قوياً ومؤثراً، جعلته يمتلك علاقات دولية واسعة على صعيد التعاون الأمني، ولعل للدور الإيجابي الكبير الذي حققه سموه في مجلس وزراء الداخلية العرب، على الرغم من تتابع الأزمات وتعقدها على الصعيد العربي ما يؤكد مدى البراعة الإدارية والسياسية التي كان يتمتع بها سموه.
رحم الله فقيد الأمة، وفقيد الوطن، وفقيد المواطنين بكافة فئاتهم، أطفالاً، وشباباً، وشيوخاً نايف بن عبد العزيز وأسكنه فسيح جناته، وجزاه الله عن الجميع خير الجزاء على ما قدمه من جهود جليلة نذر حياته وعمره وصحته لها، جاءت بثمار يانعة تعود بالنفع العميم على الجميع.
نائب وزير التعليم العالي