فاجعة لم نكن نتوقعها..
وأي حزن.. أن تأتينا الأخبار بوفاتك..
رجل الموقف، والمسؤولية، والموضوعية، والجهد، والسهر، والبر, والحكمة، والوعي، والأداء المميز، والشخصية الفذة،
الصامت العامل..
المجتهد الصادق...
المواطن الأوفى..
وما تكفي الحروف مع ثراء صفاتك..,
أو عن ثقل أدوارك.., أو في نوعية سماتك، أوعن مهابة أدوارك..,
أو عند مدى نصاعة حجتك..؟
ربما تعلم كنت بما يكنه لك هذا القلم، في أبجديات الفخر بك, والتقدير لك..,
وربما لم تكن تعلم.., وإن كنتُ أعلم أنك تعلم..
إذ لم تكن تريد أن تعلم لأنك تعاف أن تنال إطراءً..، أو تتعقبك أقلام...,
تعمل للعمل، وتفعل للواجب، وتؤسس للباقي،..
همُّك من سهرك نوم الآخرين..,
ومن سعيك استقرار الجميع..,
ومن حرصك أمان السُّوار تحيطه به عنق الوطن..
كنت الرجل الفذ في عمود الوطن, عاملا، وعملا...,
رمزا، وملاذا..
المواقف التي سجلتها لك أسفار الوطن، هي تاريخ حافل يا نايف لا ينسى..،
لا يطمس.., لا يتلاشى...
تبقى محبرته تدرُّ، وأقلامه تنهمر..
أنت نموذج لا يتكرر.., وإن جادت الحياة بالنماذج العديدة، لكنها تشح بمن يماثلك على مسيرة عمرك، في احتمال كاهلك أركان الوطن...
كلما قلَّبنا صحائف السنوات، وجدناك ناصع بهي فيها..، ووجدناها تباهي بك صدقها.., وكلما راجعنا جدران الوطن.., وجدناك الدرع، والسيف، والعين، والخفق..
كنت اسما حين تحل النوازل بالفرد أول الناهضين له، تفسح السبل درءا لخوفه، ومحواً لجهله، وأمانا لضياعه، واحتواء لضلاله..
كنت يا نايف:
الهادي له بحكمة، والمعاقب له بحزم، والصفوح عنه بأبوة، والمنظم من أجله بسلم...
ما خطت أقدامه فوق ثرى هذا الوطن.., إلا دكَّها اعتمادا عليك بثقة المطمئن إليك..,
وما وجهها خارج الوطن.., إلا حللت في ذهنه ملاذا.., وفي جوازه مرجعا، وفي هويته ثقة..
فقدُك خسارة...يا لسعتها من خسارة..
لكنك سجل لمن يحتذي، ومرجعا لمن يقتدي، ودرسا لمن يتعلم، وميثاقا لمن يفي..
جندك في أمن الوطن سيحملون هذا السفر ميثاقا، ومرجعا..
فقد ربيت فأحسنت، ولقد زرعت فجنيت، ولقد شيَّدت فمكَّنت، ولقد تركت فذُكرت...,
ولن تُنسى يا نايف أبدا...
لن تُنسى..
جعلك الله من ورثة جنة النعيم، ممن تشمله رحمته ورضوانه، راضيا مطمئنا، مع الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون..
وأنزل الله سكينة في قلوب كل من رفع يديه بالدعاء لك..,
ولم تُكفكفْ دموعه بالبكاء عليك..
فالحزن غامر غامر.. والفقد جلل كبير...
فمن نعزي فيك ولا نحصي يا نايف..
من نعزي فيك..؟
فالعزاء عام.. لكل الوطن.. كل الوطن..
بدءا لمقام خادم الحرمين حفظه الله،.. ولجميع إخوانه، وأخواته، وأبنائه، وبناته، والأسرة المالكة..
من ندعو لهم بالصبر ووالسكينة، والأجر..
فاللهم، تقبله في عبادك الصالحين الذين يلقونك وأنت راض عنهم..
و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855