كم هي ردة الفعل المتوحشة وغير (المهذبة) أحيانا التي قابل بها بعض (أعضاء المجتمع التوتيري) الملاحظة الظريفة للإعلامي الرياضي البارز بتال القوس وتعليقات بعضنا عليها والتي كانت حول أوزان بعض السعوديات وذلك بعد أن لاحظ السمنة المفرطة بين بعض النساء المتسوقات من خلال زيارته لأحد المراكز التجارية هذا الأسبوع فقال بكل أدب: يا جماعه لازم رياضة لو سمحتو !!!
وحقا لم يجانب الصواب. فالوضع أصبح أكثر من خطر ليس فقط على النساء بل الرجال والأطفال من الجنسين وليس عليكم أكثر من زيارة أحد فروع المطاعم السريعة في أية مدينة كبري من مدن المملكة (وربما) حتى مناطقها (حيث لا يوجد للأسف لدي معرفة علمية كافية تمكنني من الحكم ولا أقصد هنا السوالف بل المعلومات العليمة) لكن المنظر مريع في كل مطعم: تقف وتراقب وتجدك محاطاً بجبال السمنة (المخيفة) فأمامك أو وراءك أطفال ذكور لم يتجاوزوا بالطبع (العاشرة) لأنه مسموح لهم الدخول في قسم النساء وبنات من كل الأعمار ومعظمهم إما أنه مفرط في السمنة أو أنه في طريقه إليها والجميع بما فيهم أمهاتهم يطلبون كل أنواع الآيسكريمات الرخيصة وكل أشكال البطاطس المقلية والسندوتشات المليئة بالمايونيز دون أن يفكروا في حجم السعرات الحرارية الموجودة في الوجبة ومقدار حاجتهم اليومية بالنسبة لما يبذلونه من جهد ومن هنا تتكون جبال الشحم البغيضة على الأجساد لتشكل معوقا أساسيا لكل طفل ومراهق وتجعله فريسة مبكرة للأمراض المستعصية حتى إن أحد الشباب من أبها (لا أتذكر اسمه الآن ونشر عنه في جريدة الوطن قبل سنة تقريبا) كان قد أقام موقعا خاصا به للتحذير من داء السمنة بعد معاناته كطفل ومراهق من الآثار الوخيمة (لمرض) السمنة وقدرته على التخلص منها بإرادة حديدية.
يمكننا أيضا أن نتحدث بلا نهاية عن المراكز أو المؤتمرات والكراسي البحثية التي عقدت لهذا الشأن في المملكة ومنها مثلا لا حصرا المركز الجامعي لأبحاث السمنة بكلية الطب جامعة الملك سعود بعد أن بدأت الجامعة والباحثون يدركون أخطار السمنة المحدقة بأجيال كاملة والكلفة الصحية التي تترتب على ذلك من خلال معالجة البالغين الحاليين بحكم إصاباتهم المبكرة بإمراض خطيرة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكر وتعرض أجيال شابة (هم أطفال ومراهقو اليوم) لأمراض مبكرة كتراكم الدهون المبكر على الأوردة في القلب بما سيرهق المجتمع المحلي لاحقا ماليا ويعيق الاستفادة المرجوة من نسبة ليست بسيطة منهم في بناء هذه الأمة.
كل ذلك إضافة إلى العديد من الدراسات الأكاديمية التي أشارت بشكل واضح لأخطار السمنة التي يواجهها المجتمع السعودي والشاب منه على وجه التحديد ومنها مثلا دراسة الباحثة مشاعل السفياني في كلية العلوم الطبية التطبيقية في جامعة الطائف حول السمنة بين طالبات المرحلة الثانوية والتي توصلت إلى أن ثلثي السعوديات في الثانوية يعانين من السمنة وان أكثر من 10% من طالبات هذه المرحلة يعانين من السمنة المفرطة و19% من السمنة وإن أكثر من 76% منهن لا يدركن المضاعفات الصحية الناجمة عن الزيادة في الوزن!
ولم يكن التحذير من السمنة وليد اليوم (رغم أنه الآن أكثر وضوحا لكل شخص تقريبا بدليل أنك تجد حديثا مستمرا حوله أو ما يؤدي إليه في أي موقع أو حدث اجتماعي أو علمي) فمنذ العام 2004م أظهرت النتائج الأولية لدراسة طبية واسعة أقيمت على مستوى المملكة وكانت بمشاركة بين وزارة الصحة ومستشفى الملك فيصل التخصصي أن نسبة البدانة وزيادة الوزن كانت بين النساء66% وبين الرجال 58% مما يدل كما استنتجت الدراسة آنذاك إلى أن ظاهرة الوزن والبدانة منتشرة بين أفراد المجتمع السعودي. كما ظهرت دراسة جديدة عام 2011 بمشاركة مؤسسات عالمية تظهر أننا الأكثر سمنة بعد أمريكا والكويت.
السؤال الآن لماذا وما هو الحل؟ طبعا وكما في كل قضية فهناك رؤى مختلفة لكن بعض الأمور تحسمها دراسات أو أرقام طبية بحيث تخرج من حدود الرأي الشخصي إلى الحقائق ومنها هذه القضية الواضحة حيث إننا اليوم وكأسلوب حياة ندفع فاتورة الرفاه النفطي الذي تعيشه أجيالنا بكل جدارة فنحن نعتقد كآباء وأمهات أنه يجب أن يتوفر (لأولادنا) (شغالة) تنظف من ورائهم و(سواق) يلبي طلبات المنزل ويركض هنا وهناك في حين يقبع معظم شبابنا ذكورا وإناثا نياماٌ في أسرتهم أو يتقلبون في كنباتهم أو على أراضي ملاحق البيت أو الاستراحات يلعبون بالكمبيوتر أو يتابعون المباريات الرياضية العالمية وهم جلوس!
نحن أيضا كمجتمع ومؤسسات لا نعير الرياضة ما تستحقه من أهمية في حياتنا ولا أظن إنني سأتمكن من تغطية هذا الأمر بالدرجة التي يستحقها لكبر حجمه وأهميته التي لا أفهم كيف غابت كل هذا الزمن عن مسئولي التربية والتعليم وحين تتابع كيف تلعب الرياضة مثلا دورا أساسيا في مدارس العالم المتقدم لتصبح أسلوب حياة ويتم إشراك الأسرة والمجتمعات المحلية لتشغل معظم وقت الأسرة والطالب والمدارس على مستوي الحي ثم المدينة ثم المقاطعة ثم الدولة بل وتصبح نشاطات الأسرة مرتبطة بالنشاطات الرياضية للأطفال بحكم أنها تتم بعد الظهر أي بعد انتهاء الدراسة الرسمية وبحكم أن الآباء وجيرانهم وأقاربهم نشطون فيها تدريبا وتطوعا وحماسة بحيث تصبح محورا أساسيا للحياة كما يتم تقييم الكثير من الطلاب في قبولهم للدراسة الجامعية بعد ذلك بدرجة مساهماتهم في الأنشطة الرياضية وكفاءتهم فيها خلال تعليمهم العام وهو ما جعل الرياضة أكلا يوميا يعيشه الطالب كما تعيشه الأسرة وليس خيارا شخصيا كما نفعل هنا نمارسه بعض الوقت متى استشعرنا الخطر أو قدرنا على تحمل كلفته الباهظة ضمن الأندية الرياضية الخاصة (وهي غير متاحة إلا للقادرين ماليا) لكننا يمكن أن نتنازل لو أشغلتنا دنيانا عنه!
الإنسان اجتماعي بطبعه كما أشار إلى ذلك ابن خلدون في مقدمته المشهورة لذا فهو يحب أن يمارس نشاطاته بمشاركة الآخرين ولذا تستمر الأنشطة الرياضية في الغالب متى أقامها الشخص بمشاركة آخرين ضمن ناد أو غيره وتختفي تدريجيا أو تكون مؤقتة إذا تم الاجتهاد علي المستوي الشخصي فقط كما هي حال معظمنا اليوم.
هناك أيضا بعض الحقائق البسيطة حول معلوماتنا (الضعيفة) بسبب ضعف الخلفية العلمية لتعليمنا (الضعيف) ففي كل أنحاء العالم يجيب المرء مباشرة حين يسال في أي مكان ما هو طولك ؟؟ ثم قارنه بوزنك؟ ما هي كتلة الجسم؟ وإذا كانوا يدرسونهم مقدار السعرات الحرارية في وجبة سريعة وهي أساسية في محتوي غذائهم الوطني (الهامبرجر) فلماذا لا ندرس عدد السعرات التي يلتقطها الإنسان لدينا حين يأتي الظهر (دايخ) من الحرارة والجوع فيأكل بلا هوادة كبسة الرز ويتبعها بكاس اللبن الدسم؟؟
كيف ندفع الإنسان للتفكير في كل ما يضعه في فمه؟ نبدأ بالأمهات أولا قبل الأطفال فهي المدرسة الحقيقية التي تفرض تدريجيا وعيها على أطفالها وزوجها وحتى لو لم يعوا ذلك وهم صغار لكنهم يستوعبونه في شبابهم ويتبنونه تدريجيا أو أن لا يبقي لحكومتنا الرشيدة (رغم همومها الواضحة وخاصة بعد فاجعتنا بوفاة ولي العهد الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله وحكمة قائدنا الملك عبدالله وسرعته في تعيين الأمير سلمان وليا للعهد لضمان أمن المملكة واستقرارها) أقول لا يبقي على الحكومة إلا ربط أفواهنا وفرض (تقويم الأسنان) على الجميع (الذي يفرض عدم الأكل لصعوبة التعامل معه) وبذا نحل مشاكل جمة في آن واحد فمن جهة نجد عملاٌ لكل أطباء الأسنان الذين تخرجهم جامعتنا ولا يجدون عملا وفي نفس الوقت نحمي المجتمع من أخطار السمنة وثالثا يتم تلقائيا تعديل الكثير من الوجوه (الضروس) خاصة وحولنا من يحتاج فعلا وفي كل الأحوال لهذا التقويم !!!