نفتقر إلى نظام صحي يحمي المريض من تجارة العناية الصحية التي تخضع لأساليب الدعاية التجارية والمنافع الشخصية، التي يأتي في مقدمتها مصالح بعض الأطباء وأصحاب رؤوس الأموال والمستشفيات الخاصة ووكلاء شركة الأدوية، ولا أحتاج إلى كثير من الأمثلة، فالتجارة الطبية في السوق المحلية وصلت إلى درجه عالية من الغش التجاري، وإلى أساليب الدعاية الإعلانية، كان آخرها ذلك الإعلان المدفوع ثمنه مقدماً، عن دواء يُؤخذ عن طريق الفم للحد من هجمات داء التصلب المتعدد اللويحي (Fingolimod Gilenya).
يبشر الإعلان التجاري الخالص عملاءه، أي مرضى التصلب اللويحي المتعدد بتوفره في صيدليات المركز الصحي التجاري، كان تقديم الإعلان المدفوع ثمنه مقدماً خالياً من أي معلومات شفافة ودقيقه عن الدواء، الذي لا يزال محل اختلاف في مدى سلامته، بعد أن أثبتت الدراسات الطبية علاقته بالموت المفاجئ، وقد تم رصد أكثر من 15 حالة موت لها علاقة بالدواء، واشترطت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية شروط مكلفة في المراحل الأولى من بدء أخذ العلاج، وذلك لأنه قد يسبب هبوطاً حاداً في نبضات القلب، وقد يحتاج إلى مراقبة مستمرة قبل أن يُسمح للمريض تناوله، وقد أفهم موقف هيئة الغذاء والدواء الأمريكية المتردد، وذلك لحسابات لها علاقة بتكاليف البحث العلمي الباهظة، وما قد يسبب من خسائر مادية فادحة، إذا تم منع تداوله طبياً، لكن في المملكة يجب أن يختلف الأمر، وعلينا أخذ الحذر والحيطة إلى أن تنتهي الدراسات الطبية حول العلاج،
لم يقدم الإعلان الطبي المحلي تلك المعلومات للمريض، وأخفى ما يجري من تحذيرات طبية عن أثاره الطبية الأخيرة، وذلك لأن المستشفى الخاص يهتم بالربح المادي فقط، ولن تتم محاسبته لو حصل ومات أحد المرضى بسبب تناول العلاج..، كان الإعلان يوحي للمريض أن المستشفى الخاص حقق السبق عندما حصل على الدواء قبل المستشفيات الحكومية المتخصصة، في حين لا يعرف المريض أن العلاج لم يُسمح له من قبل لجنة تأهيل الأدوية في المستشفى وذلك لعدم سلامته، لأنه قد يؤثر على حياة المريض، وفي ظل هذا السباق غير الصحي أتساءل عن هيئه الغذاء والدواء السعودية وهل تدري بما يجري؟ أم أن رأس المال القوي تُصعب مواجهته، حتى لو كان الأمر يتعلق بصحة الإنسان واستغلال ظروفه.
في هذا الجانب لا يجب أن ننسى المآسي التي كان لها علاقة بأحد أدوية مرض السكري الذي يصيب الكبار، (Rosiglitazone (Avandia)، والذي ارتبط تناوله بحدوث الجلطات الدماغية والجلطة والسكتة القلبية التي تؤدي إلى الموت، وقد وصلت أعداد الأشخاص المتأثرين إلى نسب عالية في الولايات المتحدة، وأثبتت نتائج الدراسات العلمية التي تم إجراؤها قبل أكثر من خمس سنوات أن خطر الإصابة بالجلطات والسكتة قد يصل إلى 43%، لكنني مع ذلك فوجئت قبل عام بتواجده في الأسواق المحلية، وأعرف أشخاصاً تعرضوا لهذه الأزمات بسبب استمرارهم للعلاج، وأؤكد أنه منذ حوالي سنة لا يزال متوفراٍ في السوق، كما لا يوجد أي رصد محلي بعدد المتأثرين صحياً بسبب هذا العلاج، وهل يستحقون التعويض المادي أم أنه جلطاتهم الدماغية والقلبية تدخل في القضاء والقدر والعفو.
من أخطر العلاقات في المجال الصحي تقاطع المصالح بين المؤسسة وشركات الأدوية، أو بين الطبيب ومندوب المبيعات في شركة الأدوية، والتي قد تصل إلى حدود تتجاوز الأخلاقيات الطبية والمهنية والدينية، إذ قد يحصل في بعض الأحيان الطبيب على منافع خاصة مقابل أن يُسهل تسويق وصفة دواءهم للمرضى، وفي ذلك تعارض أخلاقي ومهني خطير في علاقة الطبيب والمريض، والتي يجب أن تتسم بالمصداقية والثقة، وأن لا تكون جسراً لمصالح مادية أخرى، لكن أخطرها على الإطلاق أن تتغاضى المرجعية الرسمية عن تجاوزات المستشفى الخاص لأسباب نفعيه خاصة جداً، لكن في ظل نظام صحي يتسم بالفوضى، كل شيء قد يحدث، ولا حياة لمن تنادي.