بتاريخ 10-9-1382هـ اقتضت المصلحة أن يتولى إمارة منطقة الرياض أمير مؤهل يستطيع ضبط أمورها والعمل على تطويرها ومواكبة ظروفها آنذاك بعد أن استقرت الدولة السعودية التي أنشأها الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - فهي عاصمة البلاد، وهي القلب النابض الذي تنطلق منه توجهات الدولة وترسم منه سياساتها ويتقاطر عليها الوافدون من شتّى أنحاء البلاد ممن استدعت ظروفهم المادية أو الاجتماعية ذلك. كما يفد إليها من خارج البلاد الدبلوماسيون والمندوبون الدوليون والباحثون عن مكان في هذا البلد الناشئ حديثاً، ولهذا فإن المرحلة آنذاك كانت تستدعي أن يتولى إمارتها رجل متمكن يتولى الحفاظ على أمنها ووضع الخطط والبرامج التي تؤهلها لأن تقوم بدورها كعاصمة لدولة فتية جاءت من شتات عايش أهلها الفقر والفاقة والفرقة. وقد كان القرار السياسي حينها موفقاً باختيار سلمان بن عبدالعزيز الذي كان الشخص المناسب للمكان المناسب في الزمن المناسب، فتولى أمورها بكل صدق وتفان وإخلاص، جاعلاً نصب عينيه الأهداف السامية التي أنشئت من أجلها هذه الدولة وهي خدمة شرع الله - سبحانه - وتحقيق الأمن والأمان والرفاهية لمواطنيها، وقد كان التسارع الإداري والاقتصادي الذي مرت به هذه البلاد المباركة منذ إنشائها عنصراً فاعلاً في إبراز شخصية هذا الرجل المميز حيث جعل منطقته التي يتولى رأس الهرم فيها كحاكم إداري درة من الدرر وعاصمة من أكبر وأجمل وآمن عواصم العالم. وهذا لم يكن ليتحقق لولا ما حباه الله من شخصية قيادية وإدارية فذة.
فهو - حفظه الله - من الرجال القلائل الذين يجمعون بين الفكر الإداري والسياسي والحس الإنساني، يعامل الناس بما يستحقون حازماً وقت الحزم، ليناً وقت اللين، عادلاً في قوله وفعله، واضحاً في تعامله، حصيفاً في رأيه منضبطاً في حضوره وانصرافه، دقيقاً في مواعيده، عالماً بأحوال المجتمع والناس، مراعياً لظروف أبناء وطنه، عاملاً على راحتهم، حريصاً على تأمين ما يحتاجون من رعاية صحية واجتماعية وتعليمية، يغلب عليه الجانب الإنساني عندما يكون الأمر إنسانياً صرفاً فتراه في العزاء معزياً وفي الفرح مشاركاً وفي الأزمات مساندا، حضوره دائم وتواجده ملموس، يعرف الناس حتى كأنه واحد منهم، مدركاً للتاريخ كأنه قد عايشه بنفسه، مدركاً للجغرافيا كأنه قد سار الأرض على قدميه، سياسي محنك يتعامل مع الخارج كأنه يفكر معهم، ويتفاوض مع الدول حتى يعتقد الطرف الآخر أنه جاهل أمامه، يراعي حقوق الجوار، ويصون العهد ويراعي الأمانة. وفياً لإخوانه وأبناء وطنه، مخلصاً لمحبيه ومؤيديه، يرعى حق الأسرة ويصون صلة القرابة ويحفظ أسرار الناس، ويصون أعراضهم، وكل هذا لم يمنعه أن يكون فرداً متميزاً في الأسرة المالكة، فهو الراعي للصغير والمرافق للكبير، برز وفاؤه مع إخوانه حين مرضهم، وإخلاصه لهم عند التعامل معهم. ورغم أنه كان أميراً للرياض وهي جزء غال من هذه البلاد بلا شك وعاصمة للدولة، فقد كان عنصراً فاعلاً في صياغة سياسة الدولة الخارجية ورسم علاقاتها مع الدول، مشاركاً لإخوانه حكام هذه البلاد المباركة منذ نعومة أظفاره في بناء الدولة داخلياً وخارجياً.
إذن لا غرو أن يقع الاختيار عليه ولياً للعهد، فهو الرجل المناسب للمكان المناسب، ورجل المرحلة، كما كان رجلها عند اختياره أميراً للرياض، قد تتشابه الظروف، ولكن تختلف الأسباب، وقد تتوافق الأحوال ولكن تفترق الوقائع، فنحن نعيش في زمن اضطربت فيه الأمور واختلطت فيه السبل وسادت فيه الفتن حتى أنه يصعب تمييز الصديق من العدو والمخلص من الخائن، تعيش فيه الدول العربية من حولنا وضعاً لا تحسد عليه، فتن وثورات وتدخلات خارجية مما يستدعي أن يتولى أمور هذه البلاد من هو أهل لقيادة الدفة ومعالجة الأمور ورعاية الداخل وسياسة الخارج وصيانة الحدود والحفاظ على الثوابت وغرس القيم، ولم يكن أحد سيتولى هذه المهمة سوى سلمان الذي جاء بعد أخويه سلطان ونايف - رحمهما الله - فهو لن يقل عنهما حكمة وحنكة وإدراكاً ووعياً، فلله درُ خادم الحرمين الشريفين على حسن اختياره، وهنيئاً للشعب السعودي بقراره، وليس هذا بمستغرب، فكم من قرار صدر عنه - حفظه الله - جاء موفقاً، وكم من عمل له جاء صائباً، أمد الله في عمره ووفقه ووفق إخوانه لما يحبه ويرضاه والحمد لله أولاً وأخراً..
(*) مدير عام مكتب وكيل وزارة الداخلية