الشائعة (خبر كاذب) في الأصل، وقد تكون خبراً صحيحاً ولكنه يتعرض للتضخيم والتهويل فيصبح بذلك خبراً كاذباً، لأن الحقيقة فيه تختفي وراء التضخيم والتهويل فيصبح حكمه حكم الكذب المحض، وللشائعة تاريخها العريق في حياة البشر، ولعل الرائد الأول لها هو (الشيطان اللعين) نعوذ بالله منه، فهو المخترع الأول للشائعة، والمرجف الأول بها، حينما ظل يوسوس لأبينا آدم وأمنا حواء بأن الشجرة التي منعهما الله سبحانه وتعالى من الأكل منها، هي شجرة الخلد، وما زال الرجيم اللعين ينفح في هذه المعلومة الكاذبة، ويقسم عليها الأيمان حتى أوقع أبوينا الكريمين فيما أوقعهما فيه كما هو ثابت في القرآن الكريم.
وحينما انتقل أبوانا إلى الأرض، وانتقل إليها الشيطان كانت الشائعة هي أسلوبه الأمثل والأنجع في التضليل والإغواء، هكذا إذن بدأت الشائعة، وهكذا واصلت مسيرتها وليس لها مطية إلا الكذب والتهويل والتضليل.
إن العلاقة بين الشائعة والكذب تكفي للتنفير منها، والحذر من نشرها والتأثر بها، فالكذب أساس كل رذيلة، وهو من أسوأ الصفات السيئة وأرذلها لأنه يقوم على التدليس واختراع الأخبار بحسب هوى الكاذب وشهوته ورغبات نفسه المريضة، ولهذا كان النهي عن الكذب واضحاً صارماً قوياً في القرآن والسنة الصحيحة، لأن آثاره السيئة في المجتمع البشري لا حدود لها.
وما دامت الشائعة بهذه الصورة من البشاعة والسوء فإن محاربتها أمر واجب على كل عاقل من البشر، ومواجهتها بكشف أصحابها، وبيان سوئها، وتوعية الناس بخطورتها مسؤولية الأمة بأسرها، كباراً وصغاراً، وإلا فإن أثرها السيئ سيمتد حتى يحطم كيان الأمة والمجتمع، ويعطل مسيرة البناء والنماء.
الشائعة (خبر كاذب) ويكفيها سوءاً أن تقترن بالكذب ولا تفارقه، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الإنسان ما يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً، ومصير الكذاب العذاب لأن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار.
هنا تكون مسؤوليتنا جميعاً في هذه المرحلة المضطربة من حياة العالم مسؤولية عظيمة في محاربة الشائعات وعدم التأثر بها والاستسلام لها، وفي توعية أبنائنا وبناتنا بخطورتها على الفرد والمجتمع، وهي مسؤولية صعبة لأننا نعيش في عصر وسائل الاتصال التي سهلت انتشار الشائعات بين الناس.
إشارة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.