|
صوّر الإعلامُ العربي وضيوفه المحلّلون السياسيّون، أنّ مصر عشيّة انتخابات الإعادة في صراع بين الدولة المدنيّة وبين الدولة الدينيّة؛ وهذا تزوير فجٌّ، فكيف يمثّل الفريق أحمد شفيق مرشّح العسكر الدولة المدنيّة! وتحت أيّ حججٍ تخلع صفة المدنيّة عن (الرئيس) د. محمد مرسي مرشح حزب مدني، ولا تدرج حقوقه وممارساته السياسيّة في نطاق المدنيّة!
ولعلّي – في حدود الاطلاع وليس قطع البحث - لم أصادف إعلاماً يقدّم فكرة واضحة عن الدولة المدنيّة والدولة الدينيّة، أو يحاول أن يفهم الذهنيّة العربيّة الفاسدة التي حوّلت متقاربين مُتشابهين إلى متضادّين متنافرين، وتغاضت عن النقيض الأساس والذي قامت ضدّه ثورات الربيع العربي: (الدولة العسكريّة)؛ لطالما أزعم أنّ كلا (المدينة والدين) لا يتعارضان إلى حدّ التناقض والثنائيّة الفجّة التي قدّمها الإعلام جهالة وتضليلاً، وأنّ أساسهما كائن في التشريع السلمي والالتزام الأهلي به أيّاً كانت نشأة هذا التشريع أو مدى عدالته ومساواته.
وما يحدث اليوم في مصر وفق التصنيفات السياسيّة الفعليّة يتمثّل في صراع بين الدولة المدنيّة والدولة العسكريّة، وأيّ تحوير في شكل ودلالات الصراع إنّما ينصبّ في خدمة استمرار العسكر والانقلاب المفاهيمي على مسار الثورة المدنيّة ضد طور عسكرة الدولة كلّه.
فأيّ وهمٍ يفترض المدنيّة نقيضاً للديانات، كأنّ الإنسانيّة لم تعرف المدينة إلاّ بعد زمن الماديّة، وكأنّ الدين لا يكون إلا في البريّة؛ فكل الوهم أنّ المدينة خالية من شرائع الدين، بينما هي - أساساً - متحرّرة من القوّة بمفهومهي العسكريّ الاحتلالي، بحيث إنّ القوّة المدنيّة تحت تصرّف ممثّلي أهل المدينة، والقوّة قائمة لحماية التوافق والسلم والحوار.
والأصل هنا أن ّالمدنيّة في أصول الحكم نقيضُ العسكريّة، وهي الحالّة في مصر بين شرعية الإخوان المدنيين وبين المجلس العسكري المحافظ على عسكرة الدولة.
من هنا فإنّ الثورة في مصر سائرة في إعادة مفهوم الدولة إلى الكيانيّة المدنيّة بعد عقود من عسكرتها، وهذا متمثّل في مدنيّة الممارسات الإخوانيّة، ولا ينتقص في تهديد الإخوان التكتيكي بثورة دمويّة اعتماداً على قوّتين جوهريتين: (الجماهير، والشرعيّة) وهما القوّتان اللتان سُحبتا من العسكر في محطّات رئيسة (البرلمان، التأسيسيّة الدستوريّة، الرئاسة)، إضافة إلى المكتسبات الدوليّة التي آلت للإخوان بفضل العمل السياسي الشرعي ممّا جعل الخارجيّة الأمريكيّة تمارس ضغوطات دبلوماسيّة لأجل حماية شرعيّة النتائج، (المعلنة بالإكراه، بعد تأجيل مشبوه) لصالح د. محمد مرسي كممثّل للدولة المدنيّة بوجه الدولة العسكريّة على عكس ما صوّره الإعلام أنّه ممثّل للدولة الدينيّة، لذلك فإنّ نتائج جولة إعادة الانتخابات تأتي متناسقة مع مكتسبات المدنيّة؛ التي تنتظر الحسم في معارك صعبة: (إعادة شرعيّة مجلس الشعب، إلغاء إعلان الدستور المكمّل، ومعركة الدستور الكبرى).
وهذه الصراعات لا تمثّل مسائل خلافيّة بين المدني والديني (على افتراض هذه الثنائيّة التي لا نتبنّاها) بل تظهر قضايا الثورة محلّ الصراع بين المدنيّة والعسكريّة.
هكذا يكون العمل السياسي المدني الذي صبغ الإخوان ممارساتهم وانتصاراتهم في البرلمان والدستوريّة والرئاسة انتزاعاً لمصلحة شرعيّة الدولة المدنيّة، في مقابل سحب الشرعيّة من الدولة العسكريّة وبلطجة قوانينها.
* طرابلس - لبنان - Yaser.hejazi@gmail.com