هذا عنوان كتاب قرأته للأستاذة أميمة الخميس، وهو من الكتب المهمة في رأيي؛ لأنه رؤية من الداخل ناقدة لا مدافعة، ويتصف بصراحة ووضوح لا تعكر صفوه جمجمة، والعنوان يكشف عن العلة التي أرادت المؤلفة أن تجعلها سببًا لما تصفه من أحوال تعليم المرأة بخاصة وشؤونها بعامة، وهذه الصفات هي عنوان المدخل الثاني من مداخل الكتاب، والصفات كما ذكرت هي سمات الميزان الصرفي، وتقصد به (فَعَلَ) فهو ماض في زمنه، وهو مفرد في عدده، وهو مذكر في جنسه، وهكذا صيغت ثقافتنا، وهذه الانطلاقة فكرة ذكية بلا شك؛ ولكن حديثها عن الإجراء الوزني –في رأيي-غير موفق، بل هو معاند لفكرة الميزان الصرفي نفسه الذي يهدف إلى بيان بنية اللفظ أمجرد هو أم مزيد، أفيه تقديم أم فيه تأخير، وليس القول بالزيادة تهميشًا بل هو بيان لما هو غير مشترك بين ألفاظ شجرة الكلمات المشتقة، وكان يمكن بقليل من الصياغة علاج الأمر.
تكشف الأستاذة أميمة الخميس بهذا الكتاب عن عالمين أنثويين أما أحدهما فخارجي أي البيئة التعليمية التي عاشت فيها طالبة ثم معلمة ثم إدارية، وأما الآخر فداخلي أي ما يدور في ذهنها من أفكار تقارب أفكار مثقفاتنا السعوديات وهي أفكار تدور حول قضايا المجتمع وبخاصة المرأة في بلادنا التي ما زالت تعاني من الظلم والإقصاء وحرمانها من مباشرة شؤونها بسبب المبالغة بالوصاية، وأرى الأستاذة أجادت بوصف الوضع التعليمي للبنات، وهو وضع لا يختلف كثيرًا عن وضع تعليم الذكور من حيث سوء البيئة التعليمية وضعف المناهج وغياب الأهداف البعيدة، وكان منها إلحاح على بيان تضييق الإدارة الرجالية على مدارس النساء؛ فالأسوار عالية كأسوار السجون والمريول موحد كئيب اللون واسم الطالبة عورة فلا تنادى به، وكل ذلك صحيح؛ ولكنه في الواقع ليس فرضًا من الإدارة الرجالية بقدر ما هو فرض من المجتمع الذي يطيل أسوار بيوته ويلزم الوافدة بالعباءة ويغطي الخادمة من رأسها إلى أخمص قدميها، والتعليم النسائي بدأ كشمعة في مهب الريح كان لابد لها من كفّ تحوط لهبها أن يعصف به، فكان ما كان من إدارة دينية رجالية، وكانت رجالية للضرورة في البداية، وكل ما قالته من سوء في الإدارة صحيح في معظمه، ورأت أن من غير المقبول أن تستمر الإدارة الرجالية فلا يشب التعليم النسائي عن الطوق فتكون له إدارة نفسه، ثم كانت المفاجأة حين أوكل إليها شيء من الإدارة فرأت نفسها في دوامة لا تمكنها من فعل شيء يذكر، وبلغ الأمر ذروته حين أوصلت امرأةٌ إلى مركز قيادي عال فإذا هي تذوب في ملح الإدارة العامة، وهنا تكشف للأستاذة- ولنا أيضًا- أن الأمر أكبر وأعم وأخطر، وأن المشكلة في الإدارة نفسها من غير تمييز بين أنثى أو ذكر، وهو أمر ظهر واشتهر في كثير من الأداء الحكومي وغير الحكومي حتى وصف أحيانًا بالفساد.
جاء الكتاب بلغة تراوح بين التقريرية التي تناسب الوصف والسردية التي تطرزها جماليات بلاغية تفثأ سورة الوصف المباشر، وتنم عن قدرات الكاتبة الإبداعية؛ ولكن الكتاب لم يسلم كغيره من الكتب من الأخطاء اللغوية التي تؤخذ على المؤلفين عامة ويؤاخذ بها معلمو اللغة بخاصة، وربما كان مردّ ذلك إلى أن بعضهم يدفع بالكتاب للطباعة ثم لا يعود إليه بفضل مراجعة، فيخرج بما يشوب جماله، ولعل الكتاب يظهر في نشرة جديدة تسلم من جملة ما ورد فيه من أخطاء وبخاصة ما نال الاقتباسات من حديث أو شعر.