لا يمكن أن نهتدي بلا فكر صحيح، ولا يمكن أن نتعايش وسط كثير من الاغتيالات الفكرية التي وإن طالت ستؤدي إلى تدهور حال الإنسانية في مجتمعنا؛ وبالتالي يصبح حالنا فاقداً للعقل والمنطق والتحليل.
عندما أرى المجتمعات العربية تختزن بداخلها رهبة الخوف من التعبير الذي منبعه فكر قويم يميزنا عن غيرنا من الكائنات، وهم على مستويات مختلفة من الرهبة، فأنني أتساءل ما الذي يرهبهم يا تُرى؟ هل هو دافع فسيولوجي يحتاج منهم إلى مراجعة الطب النفسي؟ أم هل هي الهيمنة الدينية التي فاقت ما هو موجود في الكتاب والسُّنة؟ أم هل هي الأعراف والتقاليد المقيتة والصارمة في قوانينها غير العادلة في تنفيذها، التي لم يأتِ بها القرآن؟ قد تكون الإجابات عديدة، لكن ما يهمني الآن أن أوضحه هو أنه حتى لو عُرف السبب فلا بد من حلول، والنظر إلى ما يفيدنا من نتائج جيدة.
برأيي أن المجتمع يسير وفق منهجية لم يختَرْها هو، ولكن حددتها له الكثير من القواعد السيئة. ولكن يوجد منهجية كاملة لا يمكن أن نحيد عنها لنعيش براحة وسخاء، وهذه المنهجية لها أربعة أسس، قد توجد في شخص كامل، وقد لا توجد ولا واحدة منها، وقد يوجد بعضها. أولها العقل (التفكير) والعاطفة (الشعور)، وثانيها الاهتمام بالآخرين والانكفاء على الذات، وثالثها الحكم (التفصيل والحسم) والتصور، وآخرها التقدير والتخمين؛ فعلى سبيل المثال لو كان كل فرد من مجتمعنا بمختلف أطيافه وألوانه وأعماله، سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو بائع خضار أو متديناً، اتجه إلى أقطاب التفكير والاهتمام بالآخرين فإن قراراته ستكون منطقية وموضوعية؛ وبالتالي تصبح مسيرة الحياة والتعامل الاجتماعي والسياسي أرقى وأفضل، ولكن ما أراه هو اتجاههم إلى البُعد الثالث، وهو الحُكم والتصور الذي أبدع فيه مجتمعنا دون وضع أي اعتبار للتفكير المنطقي والاهتمام بالآخرين، ولعل الكثير يستشعر ذلك من حوله. ولو دققنا النظر لوجدنا جل عملنا هو التصورات الخاطئة والأحكام الخاطئة؛ فبعضنا أصبحت لديه عادة، والبعض الآخر أصبح لديه منفذ لتحقيق رغبات شخصية بحتة لا تجد فيها أي اهتمام بالبشر أو المجتمع أو نموه المعرفي والاقتصادي. ولاسيما ونحن من أبرع البشر إطلاقاً للأحكام والتهم والقذف، ولا تلُمْ من عطَّل عقله وأشغل لسانه. وإيماني القوي بأن اختلاف الأيديولوجيات هو سبب الصراع، ولا يمكن أن تهدأ هذه الصراعات، أو لعلي أعبر عنها بقول (المناوشات)، إلا عندما يعترف البعض بأنه مخطئ، والمشكلة أنه مؤمن بأنه الأصح. قدروا الأفكار، وانهضوا بالحوار؛ لتطيب الحياة. علماً بأننا (وسحقاً للنمرود الذي حمَّلناه أوزارنا لنخرج أنقياء) بطبيعتنا لا يمكن ولا يصلح أن نعترف بأخطائنا لجهلنا المقيت.
الشواهد كثيرة، ولن أستطيع أن أوجزها في مقالي، ولكن القواعد التي يستطيع أن يسير عليها موظف طيلة فترة عمله، وأصبحت لديه عادة، يستطيع أن يسير على هذه القاعدة، وستصبح لديه عادة؛ وبالتالي لا يتهمني أحد بأنني مثالي لأبعد الحدود، ولكن مللنا عيشاً في مجتمع كأنه أشبه بغابات إفريقيا، التهام البشر بأسواط اللسان، وتصديقهم، أهنئ مجتمعنا بنظافة عقله الذي لم يستخدمه، ولن يجرؤ على استخدامه.
راقبوا أفكاركم؛ لأنها ستصبح أفعالاً، وراقبوا أفعالكم؛ لأنها ستصبح عادة، وراقبوا طباعكم؛ لأنها هي من يحدد مسيرة حياتكم. دمتم بحياة مبنية على أسس القواعد الأربعة، ولا تكونوا (عرجاً) في تفكيركم.
@BTIHANI