إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وما نقول إلا ما يرضي رب العالمين. وإن الحزن العاصف الذي غمر قلوبنا ومشاعرنا تجاه فقيد عزيز يغادر دنيانا الفانية إلى الدار الباقية في وقت نحن أحوج ما نكون إلى سداد رأيه وثاقب بصيرته وعميق تجربته وما يحظى به من احترام محليًا وإقليميًا وإسلاميًا وعربيًا ودوليًا، فهو صاحب فكر ثاقب وبصيرة نيِّرة وخبرة طويلة في مجالات عدة منها مكافحة الإرهاب الذي حل بالكثير من البلاد وفي مقدمتها بلدنا، فكان لهم بالمرصاد متابعةً ورصدًا وتجربةً ونصيحةً، لأولئك الذين خرجوا عن السياق وتسربلوا زورًا وبهتانًا باسم الدين، فكان درعًا حصينًا لحماية أمن هذا الوطن ومن حماته الذين ذادوا عن حياض الدين والوطن وحمل همومه ليلاً ونهارًا يحمي أمن هذا الوطن، فكان له دورٌ كبيرٌ في دحض أفكار القاعدة ومخططاتها وأدى ذلك إلى اختفاء كافة العمليات الإرهابية التي كانت تستهدف أمن المملكة وأمانها وقد تشرذم قادتها ومنتموها وتفرَّقت بهم السبل في كهوف أفغانستان وجبال باكستان وجحور اليمن وواحة الصومال ومن بقي منهم معنا، فقد أكرمت الدَّولة معاملتهم وقدم له النصح والإرشاد، بل إن الدَّولة استقبلت العائدين منهم من جوانتنامو بالاحسان وتيسير أسباب الحياة الكريمة وقد أنكر بعضهم الجميل وتنكر للفضل، وعندما تفقد المملكة والعالم هذه الشخصية الفذة والعقلية المرموقة والقيادة البارزة والقائد المحنك فإن فقدها عظيم ومصابها أليم، كما أن دوره المحلي في دعم هيئات الأمر بالمعروف والدعاة وردع دعاة التغريب وزوار السفارات وخفافيش الظلام، فقد كان عونًا وسندًا ودرعًا واقيًا للجميع ولدوره الفعال ونشاطه المتعدد في أن يكون عونًا وذخرًا ومعينًا وناصحًا لوأد أسباب الفتن ما ظهر منها وما بطن، وقد كان سموه يواصل ليله بنهاره ويخرج من مكتبه إلى مكتب منزله في ساعات الصباح الأولى قبل صلاة الفجر، إننا نفتقد أبا سعود في وقت أحوج ما نكون لما يحظى به من احترام محليًا ودوليًا، فهو عميد وزراء الداخلية العرب قبل أن يصبح وليًا للعهد وهم ينهلون سنويًا من معين تجربته وثاقب رأيه، فقد ساهم في إعداد الكثير من الاتفاقيات الأمنية بين المملكة وعدد من الدول والاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، كما عمل بحزم شديد وعزم لا يلين على تسيير أسباب التوبة لأؤلئك الخارجين عن الطريق والضالين عن الرشاد ممن انحرفت أفكارهم عن السبيل بمناصحتهم والحوار معهم ومارعة الحجة بالحجة والفكر بالفكر والرأي بالرأي، كما أن إشراف سموه المباشر على الموسوعة النبوية وتخصيص سموه جائزة سنوية لمثل أبحاث السنَّة مما أنار بصائر كثيرة وفتح أبواب كنوز السيرة العطرة لرسولنا صلَّى الله عليه وسلَّم، أن مبادرة الدول الكبرى شرقًا وغربًا للتعزية في سموه وعلى رأسها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لمشاركة فاعلة لاثر فقد سموه الكبير على الجميع وأن أعمال سموه الداخلية والخارجية لا تحصى وأن مشاركته الفاعلة في تطوير أنظمة الحكم ورفع شأن المؤسسات الأمنية وكفاءتها بإنشاء جامعة الأمير نايف وتطوير كلية الملك فهد الأمنية ومراكز التدريب المتطورة للقوات الخاصَّة والطوارئ وأفراد الأمن العام وإشراف سموه المباشر على المساعدات الدولية لفلسطين وأفغانستان وباكستان والدول الإسلامية الأخرى عند الكوارث والمحن، إن الكاتب ليعجز عن تعداد مآثر سموه وعلاقته الوثيقة بأهل العلم والفضل وقد ربطته بوالدي الشيخ إبراهيم الحديثي رئيس محاكم عسير سابقًا علاقة متينة ومودة وثيقة وحب في الله، فقد كان والدي يردد قول أحد الأئمة (لو عرف أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان) فقد كان لا يرد لوالدي شفاعة ولا يرفض له طلبًا أورده في سبيل المصلحة العامَّة، رحم الله الأمير نايف وأسكنه فسيح جناته وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وعوضنا في مصيبتنا خيرًا منها فإن في الله عزاء من كل مصيبة وخلفًا عن كل هالك وعزاؤنا لمولاي خادم الحرمين الشريفين وإخوانه الأشاوس وأبنائه البررة. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إليه رَاجِعونَ}.
خاطرة:
توفي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في 26-6-1426هـ والأمير سلطان في 27-11-1432هـ ودفن الأمير نايف في 27-7-1433هـ.
aalhudaithi@cecorp-sa.com