يمكن أن نقبل بمبررات لحادثة قطار سعودي لو وقعت على الأكثر مرة واحدة في العام، وفي حالة أن بلغ عدد القطارات حداً من الكثرة لدرجة أنها لا تستطيع أن تشق طريقها إلا بصعوبة بالغة بين عشرات القطارات وتقاطعات السكك بسبب كثرة الخطوط الحديدية بين المدن الكبرى والصغرى! لكن يا حسرة قلوبنا كم عندنا من قطار؟ لا تحسبوا ولا تعدوا، هو قطار واحد ما فيه غيره (رايح جاي) بين الرياض والدمام ويتوقف على ما أظن في محافظة الأحساء لدقائق معدودة. رسمنا صورة هذا القطار ومساره الوحيد حين كنا صغاراً في مرحلة طفولتنا يوم كان شكل القطار وهو يسير على قضبانه يخلق لنا منظرا آسراً نعيش في مشاهدته لحظات من المتعة في ساعات مرحنا المحدودة، وكان الأب يعد أبناءه ويقول لهم بلغة المنعم المتفضل عليهم إذا نجحتوا بالاختبار ركبتكم بالقطار، فأبناء العائلات الميسورة وحتى العائلات النص ونص تتحقق أحلامهم بركوب القطار أما أولاد الفقراء والمعدمين فلا أعتقد أنه كان بوسعهم شم رائحة القطار فما بالكم بركوبه الذي لم يتيسر لهم ولا حتى في الأحلام.
تطورت الحياة وتبدلت الأحوال ونحن على قطارنا الذي شاخ ولم يعد بمقدوره تقديم الأفضل في ظل إدارة عاجزة ومتابعة سيئة وإهمال ظاهر أدى إلى عمليات سطو وسرقة لممتلكات الخط من كيابل ونظم تشغيل وقطع حديدية. من شدة محافظتنا على قطارنا الأثري بدأ لي وكأننا نعشق اقتناء التحف الأثرية ونصر على التمسك بأي شيء يربطنا بالماضي الجميل حتى ولو تحول القطار إلى مأوى للحشرات والجرابيع وبقية فصيلة القوارض، وملفى للحيوانات الضالة وموقع آمن للعناكب تنسج فيه بيوتها، والخوف أن يتحول في النهاية إلى وكر للأشباح ومنزل لإخواننا الجن فتضطر إدارة القطار للاستعانة بقراء لطردهم من القطار بالقوة وإرغامهم على مغادرته.
انقلاب القطار الوحيد في نهاية الأسبوع الماضي في حادثة مؤسفة كان متوقعا، ولم يكن الأول لكن الاختلاف هنا أن ردة الفعل حوله جاءت قوية بسبب كثرة الإصابات إذ بلغت أكثر من 44 إصابة، وبسبب شناعة الحادثة والانقلاب الخطير الذي لولا لطف الله لأودى بحياة كل الركاب. خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله بادر كعادته لإعادة الأمور إلى نصابها فأعفى رئيس السكك الحديدية، لكن الإعفاء جزء من الحل فما زال في هذه المنظومة غير المبالية من يستحق الإعفاء. كنا ننتظر اعتراف المسؤولين بالأخطاء الفادحة والتقصير الواضح والإهمال المتعمد وإذا بهم يخرجون علينا بتبريرات غير منطقية، تناسوا أخطاءهم ووجهوا سهامهم صوب سائق القطار الذي لا أعفيه من المسؤولية فهو يتحمل جزءاً منها لكنهم حملوه المسؤولية كاملة إذ وصفوه بالمتهور والغشيم وأنه كان يسير بسرعة هائلة بيد أنهم لم يحددوا مقدار السرعة وتركوا الملف مفتوحا، ثم ناقضوا أنفسهم وقالوا إن جميع سائقي القطارات مؤهلون فهل يستقيم اتهامهم السائق مع هذا التبرير الناقص وهو تبرير يدل على تخبط وتهرب من المسؤولية؟
إذا لم يعلن المسؤولون عن القطار الأسباب بشفافية فالأولى إعادة النظر وتشكيل رئاسة السكك الحديدية من عناصر لديها القدرة على تطوير خطوط السكك الحديدية في المملكة وانتشالها من وضعها المخجل.
Shlash2010@hotmail.comتويتر @abdulrahman_15