يروى عن أحد العلماء الأفذاذ أن تلميذًا له زاره وهو على فراش الموت وحينها التفت العالم إلى تلميذه وقال له بلسان ثقيل ونفَسٍ يكاد ينقطع: ماذا قال الإمام فلان عن حساب الجدات الفاسد؟ - وهي مسألة معقدة عند أهل الفرائض- فتعجب التلميذ من هذا السؤال وعندما استفسر من العالم مستنكرا هذا السؤال لحراجة الوقت وعظم الألم! رد عليه الإمام قائلا: أريد أن ألقى الله على خير حال، ويذكر التلميذ أنه لم يكد يغادر بيت الإمام حتى سمع صراخ أهله حيث وافته المنية، ويذكر عن عازف التشيلو الإسباني الشهير بابلو كازالس أنه كان يتدرب لمدة ست ساعات يومياً وهو في الخامسة والتسعين مجيبًا عن كل من تعجب من فعله بقوله: أعتقد أنني أتطور كل يوم!
ما أروع أن يكون طلب العلم الشغف بالنمو والتطور رغبة دائمة وعملية لاتتوقف لا بتوقف النفس! وقد كتب (دافنشي) وهو الرجل الذي يعتبر الأكثر موهبة في تاريخ البشرية: (يصدأ الحديد من عدم استعماله، والماء الراكد يأسن ويتجمد في الطقس البارد وبنفس الطريقة يضعف الكسل والتراخي قوة العقل)، والإنسان أحيانا يكون عدوًّا لنفسه عندما يعتمد على القوالب الجاهزة والأفكار المعلبة وما اعتاد على فعله بمجرد وصوله لدرجة معينة من الرضا الشخصي! ودليل هذا أن الكثير من موظفي الدولة وحتى الشركات يكتفون فقط بما تعلموه في الجامعة مع أن الدراسات أثبتت أن المعلومات تتقادم الآن كل سنتين يعني ما تعلمته قبل خمس سنوات تكون فائدته جداً محدودة! ويؤكد هذا تلك الدراسة الخطيرة التي أجرتها جامعة ميتشجان التي توصلت فيها إلى أن ثلث أطباء أمريكا مشغولون في العمل لدرجة أنهم صاروا متخلفين بمقدار عامين عن أحدث المستجدات في مجالهم!!! وصدق الكاتب الشهير ريك وارين عندما قال: إن نجاح اليوم هو ألد أعداء نجاح الغد! وهو ما أدركته شركة الخطوط الجوية السنغافورية التي تعد واحدة من أنجح شركات الطيران في العالم حيث إن شعارها هو: (لن نسترخي أبدًا) فالشركة لا تستمر في الاحتفال بإنجازاتها طويلاً لأنها تعلم أن التحدي التالي قريب للغاية، وقد استطاعت شركة تويوتا أن تنتزع نصيبًا متناميًا في سوق السيارات في العالم أجمع لأنها غيرت نظرتها التقليدية واهتمت بالأفكار الجديدة، وعندما سئل المدير التنفيذي لشركة سوني العريقة في مجال الإلكترونيات عن مدى جدوى نزول نوع جديد من المنتجات كل ستة أشهر تقريباً، وقيل له أليس من الأفضل أن تركز على تسويق وبيع الأصناف الموجودة بالفعل؟
فابتسم الرجل ورد على السائل في هدوء: (إن لم أطور و أبتكر سأصبح تابعًا للآخرين).
لا تتكبر:
لن أنسى ذلك الرجل العجيب الذي أحضر زوجته لإحدى الدورات من منطقة تبعد ساعات عن الرياض وعندما أنزلها لمكان الدورة أنفق وقته في الدوران لمدة أربع ساعات لحين انتهاء الدورة متعللاً بأنه يعرف كل شيء وفات عليه أن ما نتعلمه بعد أن نعرف كل شيء هو المهم! وذكرني هذا الشخص وأمثاله بمقولة لأحد المفكرين يقول فيها: (إن الإنسان يمكن أن يكون صغير السن في مرحلة معينة في حياته ولكنه يمكن أن يكون غير ناضج طوال حياته!) وللأسف أن هناك من يأنس بالبقاء في وضع السبات عندما يتعلق الأمر بالتغيير والنمو!
ما زلت صغيراً:
من العوائق التي تحول بين بعض الناس والنمو توهم مضي العمر وتصرم الأيام وأن ما بقي في العمر ليس بمقدار ما ذهب منه وهنا أهدي لهم تلك العبارة الجميلة التي كتبها مزارع على بوابة مزرعته وقال فيها: (إن أفضل وقت لزراعة شجرة الجوز كان قبل خمس وعشرين سنة وثاني أفضل وقت هو اليوم!) لذا إن لم تكن بدأت فابدأ الآن فليس هناك وقت أفضل من اليوم لكي تكون أبًا صالحًا وزوجًا متحضرًا وقائدًا متفردًا وتاجرًا متميزًا وصديقًا محبوبًا فاجترار الماضي والبكاء على أطلاله لايفيد ولن يساعدك على ملامسة أحلامك!
تحذير:
أحسب أن العائق الأكبر تجاه التطور والتغيير الإيجابي هو (الكبر) كما يرجح المؤلف والمدرب والمتحدث ديف أندرسون ويتفق معه كبير المطورين والمفكرين في هذا العصر ستيفن كوفي بقوله: إن التماس الرأي من الآخرين يقتضي التواضع، وقد توعد الله المتكبرين بعقاب معنوي أليم {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}، أيها العزيز اجعل يومك أفضل من أمسك وخطط لغد لعله يكون أفضل من يومك، وحوّل تجاربك إلى دروس ولا يمنعك شيء من التعلم من أي شخص تقابله أيًّا كان جنسه وعمره واجعل من القراءة وردًا يوميًا عندها ستجعل من كل يوم في حياتك مصدرًا للتطور والتميز.
ومضة قلم:
إن الاستغلال العظيم للحياة هو أن نقضيها في عمل شيء ما يبقى معنا بعد الحياة.
khalids225@hotmail.com